تصفّحتُ لائحة الأسماء المرشّحة لـ "جائزة نوبل للآداب"، وجدتُني أعرف القليل منها. أحزنني ذلك، ووجدتُ فيها تأخّراً كبيراً عن الوقت. تذكّرتُ أنني لم أكن الوحيد الذي لم يعرف الزنجباري قرنح الذي نال الجائزة العام الماضي، لكن هذا كان دافعاً لقراءته.
هذا العام، لا أدري ماذا ستفعل بنا نوبل، أيّ اسمٍ ستضعه تحت عيوننا. أيّ اسمٍ ستدعونا للتعرّف إليه. مع ذلك فإنني في اللائحة التي عرفتُها من غوغل لم أجد أسماء كانت متوقعة، شأنها في ذلك شأنها كلّ سنة كاسم أدونيس مثلاً. كذلك لم أجد أسماء طُرحت بقوّة للجائزة مثل اسم سلمان رشدي. لا أعرف إلى أيّ حدٍّ يشكّكُ ذلك في مصداقيّة اللّائحة. إلى أيّ حدٍّ يجعلُها ذلك زائفة.
ثمّة أسماء كثيرة تعنيني لم أجدها. يمكنني أن أسمّي على سبيل المثال إيفان كليما، لا أفهم كيف يغيب الروائيّ التشيكيّ المولعُ أنا به عن الجائزة. ما دُمنا في تشيكوسلوفاكيا فإننا نفتقد اسماً آخر كميلان كونديرا. هل نفهم أنّ جيلاً كاملاً تجاوزته الجائزة وانتقلت إلى ما بعده؟
مع ذلك، فإننا لا نفهم غياب أقلام من هذا الجيل الثاني، أذكر في هذا السياق روائياً كريتشارد فلاناغان الذي نال بوكر عن رائعته "الدرب الضيق إلى مجاهل الشمال"، علماً بأنّ قرنح ظهر على لائحتها الطويلة فحسب ولم يتجاوزها إلى القصيرة. ليس فلاناغان أبرز من نتذكّرهم ونفتقدهم في لائحة غوغل.
هذه حفلة خاصّة، وقبل أن تنتهي أنتبه إلى أنني فيها وحيدٌ
يمكننا في السياق ذاته أن نذكر ناسلو كراسناهوركاي صاحب التحفة "كآبة المقاومة". في اللائحة نعثر على اسم أثار في حينه، وما زال يثير، ضجة على رواياته التي تتعرّض غالباً للإسلام الأوروبي. بالطبع سيواجه فوزه بنوبل، لو فاز، الضجّة نفسها. لكنّ مرشحاً كميشال ويلبك - الذي لا أجادل في أهميته الأدبية - سيزكّي أكثر اسماً غائباً عن اللائحة كسلمان رشدي، الذي إذا كان حقّاً غائباً، وكانت اللائحة صحيحة فسيكون غيابه، بعد أن لقيَ ما لقي، وما زال تحت وطأته، بسبب روايته التي تتعرّض للتاريخ الإسلامي سيكونُ مراعاة للمحيط الإسلامي. فلماذا إسقاط رشدي في حين يجري تقديمُ مماثل له، في الناحية نفسها.
لا أعرف إلى أيّ درجة يُمكن لقارئ مثلي، يغيب عنه معظم أسماء المرشّحين في هذه اللائحة على الأقل، أن يتصدّى للموضوع ويقترح فيه، لذا لن أتجاوز حدّي. لن أقول في الجائزة شيئاً رغم أنّ كثيرين تصدّوا لذلك واعتبروا أنّ الجائزة بعد منحها لمغمورين نسبياً ولمغنّ أميركي لا تزال تتدهور.
لن أقول سوى أنّ الجائزة، وخاصّة في طورها الأخير، تُظهر أكثر فأكثر صعوبة الإحاطة بالأدب على المساحة العالمية. كان الأمر غيره تقريباً في السابق. كان هناك نجوم يمكن إحصاؤهم ومعرفتهم مسبقاً. كانت الأسماء، ذلك الحين، متوقّعة ومعروفة في الغالب. الآن المتوقَّعون موجودون وأسماؤهم معروفة ومتوقّعة. من يستطيع أن يُفاضِل بسهولة بين كونديرا وقرنح على سيبل المثال. لكن الجائزة تذهب إلى من هو أقلّ توقعاً. لا نَعيبُ هذا على الجائزة، لا نجده مطعناً فيها هو من حيث المبدأ إيجابي. إنّه هكذا يكتشف ويضيف وربما يساهم أكثر في التعريف بالأدب وحتى في نقده. ثم لا ننسى أنّ الجائزة، في سابقها، تجاهلت أحداً كبروست وتولستوي وكثيراً سواهم من الكبار وحتى النجوم. مع ذلك لا يستطيع المرء إلّا أن يقول شيئاً، وأحياناً أن يقترح لنفسه وبنفسه فحسب.
إذا كان أكثر المرشَّحين مجهولين ولا نستطيع أن نحكم بينهم وأن نقترح فائزاً عليهم، فإنها فرصتنا على الأقل في أن نحتفي بمن قرأناهم وأحببناهم. إنها فرصتنا لبسط مكتبتنا الخاصة وإخراج كتبنا المحبوبة ومنحها جائزتنا نحن... نوبلنا الخاصة. ليكُن هذا احتفالنا نحن.
في هذا السياق أفكّر بأكثر من واحد، لكنّي أقدّمُ واحداً أمنحه نوبلي. إنه التشيكي إيفان كليما. ذاك الذي أؤثره حتى على كونديرا. كليما الذي تُرجمت له إلى العربية عن دار التنوير "حبّ وقمامة" و"لا قدّيسون ولا ملائكة" هو ضيفي إلى نوبل. الروائي الذي تجاوز التسعين يذكّر كثيراً بدوستويفسكي وكافكا. إنه يملك في نفس الوقت جوانيّة دوستويفسكي واستعارية وربّما شعرية كافكا. إننا نقرأه والنصّ الذي يزداد إيغالاً يتفتّح مع ذلك بحرّية وإشراق يتكاملان ويحضران بإنسانوية رهيفة وإيقاع تتغلغل رقته فينا.
كليما نعم. كليما وبإصرار.
لكن أسماء أخرى تلمع، وليس ببريق أقل، على هذه المائدة نفسها. كونديرا بالطبع وكراسنا هوكاي. ومن الجيل التالي يمكن أن نفكّر بفلاناغان.
هذه حفلة خاصّة، وقبل أن تنتهي أنتبه إلى أنني فيها وحيداً.
* شاعر وروائي من لبنان