حسين جلعاد في "عيون الغرقى": عودة قصصية إلى إربد

27 فبراير 2023
حسين جلعاد، من الندوة
+ الخط -

في حفل توقيع مجموعته القصصية "عيون الغرقى" (2023) مساء أوّل أمس السبت في "مكتبة كتارا للرواية العربية" بـ الدوحة، أشار الشاعر والكاتب الأردني حسين جلعاد (1970) إلى أن كلّ قصة في المجموعة قائمة بذاتها، و"لا يجمعها فقط إلا أنه كتبها كاتب واحدٍ في زمن ما، له رؤية معينة في الأغلب".

وأوضح أن "هناك بعض القصص ذات البُعد السياسي الفكري قد تكون متقاربة في الجوّ، لأنها أشبه ما تكون بشهادة على زمن ما أنا عشته"، مضيفاً: "لا نستطيع القول إن هناك ثيمة تجمع نصوصها كما في الشعر، إلّا في الخطوط العامة أو الفترة الزمنية التي يعيشها القاص".

وتبادل جلعاد مع الصحافية سميرة عوض التي أدارت أمسية "ضيف المكتبة" حواراً نقدياً تناول أبرز ملامح المجموعة وسيرة كاتبها، ونبّهت بداية إلى أن "حكايات الحنين" هذه تأتي بعد نحو خمسة عشر عاماً من غياب كاتبها عن النشر، ثم قرأت الإهداء الذي افتتح به الكتاب "إلى مدينتي الأولى، هذا واحد بالألف من احتفالي بك، وإذ يهذي الكهنة الآن بطقوس لعن الظلام، فإنني أشعل قلبي، وأمضي..".

رحلة عودة تنطق بها الشخصيات إلى عالم الأحاسيس الأولى

ثم قرأ جلعاد مقطعاً من قصة "نعناع المصاطب" يصفُ من خلالها علاقة بطلها عدنان أيوب بمدينته الأولى، قائلاً "إربد التي أغوته يوماً بعشق المدائن فوجد نفسه في ما بعد متورّطاً بضجيج الإسمنت والمدن الكبرى. وهو لم يدرك مدى تعلّقه بإربد إلا حين غادرها، تلك التي يألفها الجميع بسرعة - أو يظنون ذلك - بيد أنها تستعصي على الإتيان بتلك المجانية والتسطيح، وحدهم من تشكّلوا في الأزقة والشوارع يعرفون أي أمان هي جدرانها. وهم وحدهم من يعرفون أية ذاكرة لقطط الليل".

بدورها، لفتت عوض إلى أن "جامعة اليرموك" من أبرز معالم المدينة التي يردُ ذكْرُها في القصص، في سياقات عدّة، حيث اشتُهرت بمظاهرات واحتجاجات الطلبة، خاصة ما انطلق منها ضدّ اتفاقيتي "أوسلو" و"وادي عربة"، بينما اختار جلعاد تقديم مقاطع من نصَّي "الإسفلت والمطر" و"كائن سماوي" اللذين يعكسان تلك المناخات السياسية في الجامعة مطلع عقد التسعينيات.

وبيّنت عوض أنه مقابل "الحب الكبير لإربد، نقرأ اغتراب الكاتب عن المدينة التي يعيش فيها، وهي العاصمة عمّان؛ اغترابٌ يبلغ به حدّ النفور منها، فهو شاعر يعيش العزلة والوحشة في مدينة مزدحمة، ويرى كيف "القرى والمضارب تقذف المدينة بخِيرة أبنائها، فتردّهم المدينةُ منكسرين مغبونين!". بينما ردّ جلعاد بمقطع من قصة "نعناع المصاطب" يرِدُ فيه: "في عمّان عشوائية ما تستفزّه، تبعث في روحه رغبة مواربة للخصام أو المشاكسة، وتلقيه في حالة دائمة من دُوار المدينة. لقد ظلّت الطُرقات والأزقة تستأنسه بأُلفتها، لكن عمّان ظلّت تخذله بالضجيج والأقنعة المستعارة".

الصورة
من أجواء التوقيع - القسم الثقافي
من أجواء حفل التوقيع

ثم تناولت عوض حضور الشعر في السرد في المجموعة، مستشهدة بمقطع منها: "حملوا عبء الضَّوء، ثمّ مضَوا نجماً واحداً، فأضاؤوا قلوب الناسْ، رشفوا قهوة الصبح عند حدود الشّام، واستراحوا المغيبَ على ضفّة الأندلس"، كما تحدثت عن تجوال القاصّ/ الشاعر في عوالمَ شتّى، من أزمنة وأمكنة وشخوص وحوادث، وتنقلّه بين أساليب ومُعطيات متعدّدة، حيث يأخذنا في رحلات خاطفة تنطق بها الشخصيات في عبارات قليلة كما لو كانت في رحلة العودة إلى عالم الأحاسيس الأولية وألوان الطفولة المبكّرة.

وتطرّقت أيضاً إلى حضور قضايا وهواجس عدّة في المجموعة، منها: فلسطين والأفكار الكبرى حول تغيير العالم والمستقبل، ودور الأصدقاء وأثرهم في النصوص، وسيرة الشبابيك والحنين ورجعه في أغاني فيروز والذكريات، مشيرة إلى أن جلعاد الذي بدأ بإربد في أقصى شمال الأردن، والتي شهدت طفولته وشبابه في قرى وأماكن ريفية من محيطها مثل وقاص والبارحة والحصن، وانتقل إلى عمّان، سيختم المجموعة بقصّة "والبحر ينام أيضاً" التي يتحدّث فيها عن مدينة العقبة في جنوب البلاد.

من جهته، اقتبس جلعاد من هذه القصة مقطعاً يقول فيه: "نهض ومشى على الشاطئ، وهو يتأمّل الحصى، فيقارن ما خارج الماء بما في داخله. حين كان أبي وأساتذة الجامعة يحشون رأسي بالأرقام والحسابات، كنت أهرب إلى مشغلي المتواضع خلف البيت، لأصنع التماثيل وأغنّي. وبعد تخَرُّجي مباشرة، عملتُ مع أبي في تجارته سنة كاملة، لكنّني تركته، لأنه نادراً ما رفع نظّارته عن أوراقه البنكيّة وكلَّمني!".

نصوص
التحديثات الحية
المساهمون