استمع إلى الملخص
- الأدب الإسرائيلي، وخاصة الرواية، يُحرج الفكرة السائدة عن إنسانية فنّ الرواية، حيث يُستخدم للتعبير عن التطلعات الصهيونية وتجاهل وجود الشعب الفلسطيني وحقائقه التاريخية.
- الرواية العالمية لم تسجل اختراقات كبيرة في مواجهة الثقافة الاستعمارية، بينما المؤرخون اليهود والإسرائيليون قدموا كتباً أبطلت الرواية الصهيونية وزوّرت التاريخ.
يميل باتريك بارندر في كتابه "الأمّة والرواية" (صدر بترجمة محمد عصفور عن "المركز القومي للترجمة" عام 2009)، إلى التعريف بهوية الرواية استناداً إلى موضوعها، لا إلى لغتها، أو جنسية كاتبها؛ فـ"أيّ رواية تحدث أحداثها جزئيا أو كلّياً ضمن صيغة خيالية من المجتمع الإنكليزي، يمكن أن تندرج وفقاً لهذا المعيار تحت مسمّى الرواية الإنكليزية".
وبسبب هذا التعريف، فإنه يَقرأ الرواية الإنكليزية من حيث تعبيرها عن الفكر القومي للأمّة. والاستنتاج الذي يمكن أن يخرج به القارئ لهذا الكتاب أنّ الناقد يرى أنّ الرواية سوف تكون جزءاً من صراع الثقافات، أو عنصراً فاعلاً في هذا الصراع، نظراً لكون معظم القوميات التي نشأت في الزمن نفسه الذي ظهرت فيه الرواية، داخل هذه القوميات نفسها، تحوّلت في ما بعد إلى التوسّع الاستعماري.
يَظهر هذا التضادّ جلياً وواضحاً في الصراع العربي مع الصهيونية وكيانها "إسرائيل"؛ فالتعبير الروائي الإسرائيلي لا يزال، حتى اليوم، في مجمله، صهيونياً، وليس لدى أيّ روائي إسرائيلي رواية للتاريخ القريب، أي تاريخ نشوء "إسرائيل"، غير الرواية الصهيونية، أي تلك التي تُزوّر التاريخ.
وبهذا المعنى، فإنّ الرواية يمكن أن تكون في مرّات كثيرة تعبيراً عن العنصرية أو الكراهية أو المنطق الاستيطاني الاستعماري، كما هو حال الرواية في "إسرائيل"، ولم يثبت بعد، سواء من خلال النصوص القليلة المترجمة إلى العربية، أو من خلال الدراسات والأبحاث التي كتبها أدباء ونقّاد ومؤرّخو أدب عرب، مثل غسّان كنفاني وصلاح حزين وعماد الجوهري، أنّ الرواية هناك قد قدّمت عكس ذلك. فما هو الموقف من فنّ الرواية في هذه الحالة؟
يُحرج الأدب الإسرائيلي الفكرةَ السائدة عن أنّ فنّ الرواية فنّ إنساني
يُحرج الأدب الإسرائيلي، والرواية الإسرائيلية خاصّة، الفكرةَ السائدة عن أنّ فنّ الرواية فنّ إنساني بالقوّة والفعل، هذا هو التعريف المحبَّب لنا جميعاً عن هذا الفنّ العظيم؛ فقد جنّد الكتّاب الصهاينة هذا النوع، منذ زمن بعيد، أي من القرن التاسع عشر، للتعبير عن التطلّع الصهيوني لإقامة الدولة اليهودية.
وفي هذه الحالة، فإنّ الرواية تتجاهل تجاهلاً تامّاً وجود شعب آخر يزيد عدد المنتمين إليه عن عشرة ملايين إنسان هو الشعب الفلسطيني، كما تتجاهل الفكرة الاستيطانية التي نُفّذت بقوّة السلاح، وتتجاهل التاريخ والحقائق التاريخية، وتُغمض فكرها عن المذابح التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في فلسطين أثناء الاحتلال البريطاني، أو مارسها ويمارسها الجيش الإسرائيلي بعد نشوء "إسرائيل"، ومذابح غزّة حاضرة أمامنا.
والغريب أنّ الرواية في العالم، وهي الفنّ الإنساني بامتياز، الفنّ الذي يعلن عن انحيازه إلى جانب قضايا الحرية والعدالة، وإلى جانب قضايا التحرّر، لم تُسجّل اختراقات ذات شأن في التقاطُع مع الثقافة الاستعمارية. واللافت أن يكون التأريخ والمؤرّخون مَن سجّلوا هذه الاختراقات، ويبدو اليوم المؤرّخون اليهود والإسرائيليون (إيلان بابيه في كتابه "التطهير العرقي وشلومو ساند في كتابه اختراع الشعب اليهودي" مثلاً) هُم الذين قدموا سلسلة من الكتب التي أبطلت الرواية، وعطّلت موضوعاتها، وأحرجت الروائيّين، سواء أولئك الذين لاحقوا حكايات تزوير التاريخ القديم، أو أولئك الذين لاحقوا حكاية نشوء كيانهم، أو زوّروا مسائل الصراع بين المستوطن الصهيوني والمواطن الفلسطيني.
* روائي من سورية