استمع إلى الملخص
- جون توفيق كرم، في محاضرته "عرب البرازيل: فنّ الشتات 1948 - 1964"، يستعرض كيفية تفاعل المهجر البرازيلي مع الثقافة العربية، مستشهدًا بأمثلة على التأثير المتبادل بين الثقافتين.
- يُبرز كرم أهمية التواصل العربي البرازيلي كجزء من الشرط المعولم، متجاوزًا النظرة الأوروبية المركزية، ويُسهم في تعزيز فهم التبادل الثقافي والتأثير المتبادل بين العرب والبرازيل.
يُقال الكثير عن العلاقة التاريخية الجامعة بين الثقافتَين العربية والبرازيلية، حيث تُعدّ الأخيرة، بآدابها وفنونها المكتوبة بالبرتغالية، الرافد الثاني في أميركا اللّاتينية بعد الإسبانية. ويُعيدنا تتبُّع أُصول هذه العلاقة إلى القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، حين تجلّت بأوضح صورة في الشعر والأدب المِهجَريَّين.
لكن، وللمفارقة، فإنّ المراحل التالية من عُمر هذا التواصل لم تلقَ ما يكفي من المناقشة والإضاءة، وهذا ما حاول الالتفات إليه أستاذُ اللُّغتين الإسبانية والبرتغالية في "جامعة إلينوي" الأميركية، الباحث والأنثربولوجي الأميركي من أصول لُبنانية جون توفيق كرم (1973)، في محاضرته التي عُقدت، مساء الخميس الماضي في "معهد غيماريش روزا" ببيروت، تحت عنوان "عرب البرازيل: فنّ الشتات 1948 - 1964".
جيلٌ ثانٍ وثالث من المُهاجرين عاد ليتفاعل مع ثقافته الأمّ
انطلق صاحب "زخرفة عربيّة من نوع آخر: الإثنيّة السورية - اللبنانية في البرازيل النيوليبرالية" (الطبعة العربية، 2012)، من سؤال: كيف تفاعَل الشتات/ المهجر البرازيلي مع الإرث الثقافي العربي، ووفق أيّ المسارات تحرّك في ظلّ الهيمنة الاستعمارية الأنكلو - فرنسية وما تلاها؟
وضمن سياق الإجابة، قدّم الباحث أربعة نماذج ثقافية: الشاعر والناقد البرازيلي جميل المنصور الحدّاد (1914 - 1988)، الذي عاد ليُحاضر في لبنان بين عامَي 1954 و1956 حول الدراسات البرازيلية، حيث كان له حضور قويّ لأكثر من أربعين عاماً في المشهد الثقافي البرازيلي، وفقاً لكرم، الذي أكّد "سعي الدراسات البرازيلية اليوم إلى أن تكون موضوعاتها مُرتكزة على مثل هذا الإرث، وبعيدة عن المركزية الأوروبية ونماذجها". كما قرأ كرَم الشاعر البرازيلي من زاوية سعيدية (نسبة إلى إدوارد سعيد)، مُعتبِراً "أنّ مُنجزَه الأدبي قد تمكَّن وانتشر على أرضية من النزعة الإنسانية النقديّة المعروفة لدى سعيد"، وأنّه "راح يُعيد قراءة الكثير من اليقينيات المركزية بشكل نقدي".
ثم انتقل المُحاضِر للحديث عن المعمار فرديناند دبّانه (1892 - 1985)، الذي رمَّم بين عامَي 1955 و1957 كنيسة "ساو بيدرو" في الإسكندرية، بعد قرن على إنشائها من قبل بيدرو الثاني، إمبراطور البرازيل في أواسط القرن التاسع عشر. ووضّح أنّ العديد من الملاحق الدبلوماسيّين كتبوا، في فترة ما بعد 1952، عن هذه الكنيسة التي صُمِّمت وفقاً لأنماط العمارة البرازيلية المحلّية.
وتابَع كرم عرْضَ نماذجه بالحديث عن المعمار أمادو شلهوب الذي اشتغل مع أوسكار نيماير في تصميم "معرض رشيد كرامي الدولي" في طرابلس عام 1962. واستعار الباحث الأميركي من المعمار أدريان لحّود كلماته التي حدّد فيها موقع نيماير (1907 - 2012)، و"فهمه للحداثة البرازيلية غير المرتبطة بالموروثات الاستعمارية، والتي توافقت مع 'روح' ما بعد الاستقلال في لبنان"، وعلى هذا الأساس جاء تكليف نيماير بتصميم "معرض رشيد كرامي"، حيث رافقه في رحلته إلى طرابلس كلّ من ابنته لوريس وزوجها المعمار أمادو شلهوب.
أمّا النموذج الأخير، الذي لفت إليه كرم، فيتمثّل في المُخرج سيرجيو لطفي (1932 - 2020)، الذي مثّل البرازيل في "مهرجان لبنان السينمائي" بدورته الرابعة عام 1964، كما دعته الدولة السورية لتصوير فيلم "O Passaro da Aldeia" ("طائر القرية"، 1964)، في صيدنايا، مسقط رأس والديه. كذلك شهدت تلك المرحلة، وفقاً للمُحاضِر، بداية الاهتمام باللغة البرتغالية في سورية، سواء في "جامعة دمشق" أو خارج أسوار الأكاديميا حين ترجم سامي الدروبي، قبل ذلك التاريخ بعام واحد، رواية "كوينكاس بوربا" للأديب البرازيلي ماشادو دي أسيس (1839 - 1908).
وختَم جون توفيق كرم محاضرته بالتأكيد أنّ "هذا التواصل العربي البرازيلي هو جزء من الشرط المُعولَم الذي يسود العالَم، ولا شكّ في أنه متجاوز بطبيعته للترسيمات الأنكلو-فرنسية التي طغَت بفعل الاستعمار وتراجعت بأفوله".
بطاقة
جون توفيق كرم باحث وأكاديمي أميركي من أصول لبنانية، ووُلد في نيويورك عام 1973. يعمل مديراً لـ"مركز ليمان للدراسات البرازيلية" التابع لـ"جامعة إلينوي" الأميركية، حيث يُدرّس في قسم اللغتين الإسبانية والبرتغالية. صدر له: "زخرفة عربية من نوع آخر: الإثنية السورية - اللبنانية في البرازيل النيوليبرالية" (2007)، و"المصير المتشعّب: العرب على مُفترق طرق أميركي تحت حُكم استثنائي" (2021)، كما سبق له أن حرّر كتاباً بعنوان "هلال فوق أفق آخر: الإسلام في أميركا اللّاتينية ومنطقة البحر الكاريبي والولايات المتّحدة الأميركية اللاتينية" (2015).