جرّةُ ماءٍ لصيفٍ واحد

23 يوليو 2022
نيكوس أليكسيس أصلانوغلو
+ الخط -

وإنْ تكوني إنساناً 

وإنْ تكوني إنساناً، وإن تكوني مصنعاً
وإنْ تكوني مدينة شقراء

فإنّكِ لي تعبٌ في الليل 
آلةٌ قد همدتْ 
صوتٌ يوشك على السقوط

أنتِ جرّةُ مائي لصيفٍ واحد.


■■■


Ars poetica 
(فنّ الشعر)

أريد أن تكون القصيدةُ ليلاً، تِيهاً
في دروبٍ مقفرة وجادّات 
حيثما ترقص الحياة. أريد أن تكون
جهاداً، لا موسيقى مندفعةً
بل شغفٌ للتعبير الباطنيّ عن التفكّك
عن فوضى ستُصبح وقوداً
إذا لم نجازف بكلّ ما لنا.

عندما يبذّر الآخرون أنفسهم، لا مبالين، واثقين
سُدىً، أو يستعدّون في المساء 
للموت، أبحث طوال الليل عن حُجَيراتِ فُسَيفَساء
لم يمسَّها فساد الحديث اليومي الفرديّ
وإن تكن الأكثر تآكلاً. لتُنير كالقمر 
في عتمتها الحالكة، كالحشرات الهزيلة،
اعتباطيّةً، ميتة المعنى،
مشبعة الأحاسيس. 


■■■


أنظر إلى نافورة عاشقة 

ذاتَ ليلة سأسافر إلى الأبد. سأعانق بيَدي
المدينة وسأغرق في دوّامة المياه الملوّنة.

سيكون هذا تخديراً أو سيكونُ الموتَ، لا يمكنني الجزم. لن أعي وسطَ الدموع 
لماذا أردتُ ذلك ولا أين أخطأْت. حقائبي ستجرّ الجسم حتّى البحر، حتّى الأَحْياد، خارج المحطّة القديمة. رملٌ وجدارٌ حجريّ،
صفير القطارات والسهل حوله، ولن 
أستطيع أن أفهم لماذا كنتَ خائناً وشريكاً.

وسط الجدول لن أراك أبداً. ذات ليلة سوف نحبّ بعضنا إلى الأبد. كبحرٍ وسماء.


■■■


أُغنية عاطفية

إذا رحلت إلى حيث يمتزج البحر بالأنغام والأضواء،
تذكّرْ، هناك بَردٌ في هذه الدنيا الغريبة
لا شيءَ آخرَ عندي سوى دموعٍ
تُلاعب ضوء الطريق المبلَّل. 


■■■


لاجئون في الرمال 

حلّ الظلام في "الميناء" وكان صمتٌ
كثيفٌ يتصاعد من جهة البحر
ليُلاقي القلعة. كانت مستلقيةً
طوال اليوم، بكماءَ جاهمة
كحيوان مخدَّر.

حينها انتبهتُ لصوتٍ مخنوق كالورقة
التي تتجعّد في أيادٍ غير مناسبة
لخدشٍ في جسد متّسخ، مريض.

رأيت عربيّاً صغيراً، أرقشَ،
كانت يداه مُقْمِرتَين، ووجهه، وعيناه، كان كلّه 
أُلوفاً تركوا أرضهم وعادوا
إلى قلب الرمال، إلى الخيَم، إلى النُّور الأبيض.
وعندما كان يتكلّم كان صوته يُدمع ويُلحّ
في استجداء مكانٍ في الحياة، أو أقلّ مقاومة 
للموت الذي كان يأتي على مهل ويمتصّه.

لكنّني كنت أغسل يديّ. وحدة متوحّشة
سقتْني السنوات التي عبرت.


ترجمة عن اليونانية: روني بو سابا



بطاقة

نيكوس أليكسيس أصلانوغلو (اسمه الحقيقي نيكوس أرسلانوغلو)، شاعر يونانيّ ولد في مدينة ثيسالونيكي عام 1931 وتوفّي في أثينا عام 1996. درس اللغة الفرنسيّة وآدابها، ودرّسها لسنوات طويلة. انتقل عام 1964 إلى مصر للدراسة في "جامعة القاهرة" لمدّة سنة. نشر تسعة دواوين شعريّة، إضافة إلى مقالات أدبية، وترجمات من الأدب الفرنسيّ. تأثّر بالرمزيّة والوجوديّة.

نصوص
التحديثات الحية
المساهمون