يستعير الفنان التشكيلي المصري جرجس لطفي (1955) خصائص الفن البيزنطي والأيقونات القبطية التي انتشرت في مصر حتى القرن السادس الميلادي، في تقديمه لوحات توثق الحياة اليومية في مصر المعاصرة عبر التقاطه مشاهد من الواقع قد تبدو عادية، إلا أنه يمنحها بعداً أيقونياً أسطورياً.
ويأتي أسلوبه امتداداً لتجارب العديد من الفنانين المصريين الذين برزوا في النصف الأول من القرن العشرين، وسعوا إلى تكريس حداثة فنية مستمدة من الجداريات الفرعونية وتطورها في النقوش والآثار التي ظهرت نتيحة تفاعل الحضارة المصرية القديمة مع المؤثرات الهلنستية في فترة لاحقة.
"مراحل وأزمنة" عنوان معرض لطفي الجديد الذي افتتح مساء السبت الماضي في "غاليري بيكاسو إيست" بالقاهرة، ويتواصل حتى الثاني من الشهر المقبل، ويضمّ أعمالاً تمثّل مراحل مختلفة من تجربته التي تعود إلى منتصف سبعينيات القرن الماضي.
يستعيد الفنان العديد من الطقوس والمواسم من الثقافة الشعبية كما في لوحات "السبوع"، و"الموالد" و"قماش العروسة" و"النوات"، و"الرملة البيضاء"، و"فك السحر"، و"الأمومة"، كما تحاكي لوحات أخرى مواضيع دينية مثل "أدم وحواء"، أو أجواء من مدينته الإسكندرية مثل لوحة "الصيادون".
تقترب الأعمال المعروضة في ثيماتها من الأعمال التي قدمها لطفي في معرضه السابق "فيها حاجة حلوة" قبل نحو خمسة أعوام، حيث بدت شخصيات الفلاحين كما لو كانوا قديسين يرتدون الثياب البيض ويتألّمون خارجين من لوحات ربما تعود إلى العصر الثامن للميلاد، ثمة تقاليد تخص اجتماعاً من نوع ما، ويظهر كما لو كان الجميع في مناسبة دينية أو طقوسية، كما أن هناك لوحات تمثّل تفاصيل من التراث الشعبي المصري.
يستخدم الفنان خامات جديدة مثل شمع النحل وصفار البيض وورق الذهب قيراط 22، ويميل في اختياره للألوان عادة إلى عناصر تعبيرية مستوحاة من اللوحات القديمة التي جسدت القصص في الأيقونات القبطية حيث يرسم السماء ذهبية اللون ويصوّر الشخصيات العادية كما كان يجري تصوير ملامح القديسين والمؤمنين وطريقة وقوفهم.
ورغم الحزن الذي تغرق فيه وجوه الشخصيات المرسومة، يسمّي الفنان معرضه "فيها حاجة حلوة"، فماذا يقصد بالضبط؟ هل هي البلاد؟ أم الحكايات القديمة؟ أم التراثيات الشعبية؟ في أي شيء يجد جرجس لطفي هذه الحلاوة؟ ربما في تأمّل الناس وآلامهم وطقوسهم ثم تحويل كل هذا إلى فن.