استمع إلى الملخص
- **خلفية الجائزة وأهدافها**: تأتي الجائزة من خلفية تركي آل الشيخ الأمنية، وهي تجربته الأولى في الأدب، مما يثير تساؤلات حول تأثيرها على الأدب الجاد.
- **تأثير الجائزة على الأدب والكتّاب**: الجائزة قد تضع الكتّاب تحت ضغط لمقاومة تيارات الاستهلاك، مما قد يؤثر سلباً على الإبداع الأدبي.
لا تبتعد "جائزة القلم الذهبي للرواية" التي وعَد بإطلاقها قريباً، المُستشار في الديوان الملكي السعودي ورئيس مجلس إدارة "الهيئة العامّة للترفيه"، تركي آل الشيخ، عن أجواء "الشُّو" والحركات الاستعراضية التي يُطلّ من خلالها على جمهور المُرفَّهين بين الفينة والأُخرى؛ مقابلات يُسفَح فيها ماء وجه مُحدّثيه من المُغنّين والمُغنّيات ومشاهير وسائل التواصل الاجتماعي، وأحاديث تتمركز حول أناه المتورّمة تكشف عن شخصية نرجسية، والكثير من الدُّعابات المُحرجة وثقيلة الظلّ على الهواء مباشرة.
يتكلّم تركي آل الشيخ (1981) في منشوره الترويجي، الذي كتبه قبل أيّام، بلغة الأرقام والمبالغ المالية فقط، وبهذا فإنه يُريد جَرّ الرواية العربية إلى لُعبته المفضّلة: الاستعراض، ليُحوّلها إلى مجرّد مُسنّن في عجلة أكبر تصبُّ وتدور في خدمة "الترفيه" وتسيير دينامياته، حيث يرصد ميزانية للجائزة تقارب السبعمئة ألف دولار أميركي.
يُريد جَرّ الرواية العربية إلى لُعبته المفضّلة: الاستعراض
ويضع "المستشار" جائزته التي ابتدعها بين الرواية والسينما، وبهذا فهو يُحدّد فروعها "من رأسه"، من دون أن نعرف بأي لجنة نقدية استعان حتى ارتأت عليه بهذه القِسمة: أفضل رواية رومانسية، وأفضل رواية إثارة وغموض، وأفضل رواية كوميدية، وأفضل رواية حركة (ما الفرق بينها وبين الإثارة والغموض؟)، وأفضل رواية فانتازيا، وأفضل رواية بوليسية (هل هي نفسها رواية الحركة؟)، وأفضل رواية رُعب (أيّ رعب أكثر من هذا؟)، وأفضل رواية تاريخية، بالإضافة إلى جوائز أفضل سيناريو مُقدّم من عمل أدبي، وجائزة أفضل عمل روائي مترجم.
وعلى سيرة اللجان والمؤهّلات، ربّما يكون آل الشيخ، أو أبو ناصر كما يُكنّى، قد انطلق في هذه الجائزة المليئة بالحركة والإثارة من خلفيّته الأمنية، حيث نال درجة البكالوريوس في العلوم الأمنية من "كلّية الملك فهد الأمنية" عام 2000، قبل أن يعمل في وزارتي الداخلية والدفاع، وبهذا تكون الجائزة تجربته الأولى في عالم الأدب الذي يُريد أن يهبط عليه بالمظلّة، ويخلع أبوابه على طريقته.
في المقابل ما هو هذا "القلم الذهبي" الذي يعدُ به المستشار؟ وأيّ الكُتّاب سيُسارعون للتنافس عليه؟ إذ تبدو التسمية المستوحاة من فَهْم يُقارب الكتابة من زاوية "الكيتش" الرثّ، حيث يُقحِم الذهب ويجعله شرطاً لفعل إبداعي قد يكون المشتغلون فيه اليوم بغنى عنه أصلاً، لكنّه قد يجعلنا نترحّم على جوائز الرواية العربية التي تكرّست خلال السنوات القليلة، ونقبل بها بكُلّ عللها وسياساتها على اعتبار أننا أمام مستوى آخر نابت من قعر مستنقع الاستهلاك، وهذا قد يضع الكتّاب والروائيّين أمام ضغط هائل لمقاومة أكثر من تيّار، حتى يُخلّصوا مادّتهم من كلّ هذا العبث المُحيط بهم، وهنا سيكون محكّ الكتابة الحقيقية، بعيداً عن الندب والتظلّم ومراوغات الزُّهد.
من جهة أُخرى، قلّل بعض المُتفاعلين مع الخبر من خطورة مثل هذه الجائزة على الأدب الجدّي أو الرفيع، كونها مُوجّهة بالأساس صوب "الأعمال الروائية الأكثر شعبية والأكثر قابلية للتحويل لأعمال سينمائية"، مُعتبرين أنّ هذا النوع من الجوائز يرفع الأحمال عن الجوائز الرصينة ولجانها التي تُرمى في وجوه أعضائها آلافُ النصوص سنوياً من هذا النوع التجاري، كما رأى آخرون في الإعلان عن الجائزة مقدّمة لجوائز أُخرى قد تظهر مستقبلاً، ولا تحتكم سوى لمنطق الاستعراض بفجاجة "القلم الذهبي"، فضلاً عن تعليقات رأت أنّ تكريس جائزة ضخمة لمثل هذه النوعيات الأدبية التي يعدّها النقّاد بعيدة بدرجات عمّا تمثّله الرواية العربية اليوم، قد يحرف هذه الانتعاشة الكمّية والنوعيّة في كتابة الرواية عن غايتها، ويحوّل الكتّاب إلى مجرّد "متنافسين" يُلبّون رغبات و"ذوق" المُموّل، وأي ضربة للإبداع أشدّ فتكاً من هذه؟
في روايته "تحوّلات الجحش الذهبي" التي يعتبرها المؤرّخون النموذج الأول للرواية، يروي لوكيوس أبوليوس، الذي عاش في القرن الثاني للميلاد، حكاية "لوكيوس" الشابّ الذي شُغف بألاعيب السَّحرة وطمح يوماً أن يصير طائراً، وألحّ على "بامفيلى" أن تدهن جسده بمرهم سحري يُحقّق حلمه، لكنّها أخطأت العُلبة وبدل أن يتحوّل إلى طائر حُرّ استحال إلى جحش.
والحال كذلك، من يدري إذن، لعلّنا نشهد قريباً بمعيّة "جائزة القلم الذهبي للرواية" كُتّاباً يعيشون التحوّلات، هُم تمثيل لـ"لوكيوس" هذا الزمان، بعد أن أسلموا مصيرهم للسحرة والمشعوذين.