تنتهي اليوم أشهر الصيف الثلاثة، وقد شهدت تونس خلالها استثناء سلبياً؛ لقد مرّ الفصل الأكثر حرارةً بارداً باهتاً على المستوى الثقافي، وفي العادة يكون أحد أنشط مواسم الثقافة خصوصاً لدى الفنون الأدائية كالمسرح والموسيقى، لكنه مرّ هذا العام في مناخ من الخمول والخمود، بسبب موجات الفيروس ومتحوّراته بالتأكيد، ولكن أيضاً بسبب قلة الحيلة، ففي صيف العام الماضي، نجحت بعض الاجتهادات في خلق وتيرة ثقافية بتنظيم بضعة تظاهرات، فيما برزت هذا العام حالة من التسليم.
في حصيلة صيف 2021، سنجد تنظيم مهرجان مسرحي وحيد على مستوى وطني، هو "باردو فاست"، بداية آب/ أغسطس، وقد أثبت أنه من الممكن تنظيم المهرجانات المسرحية في حال وجود إرادة جادة، فقد أنجزت عروض التظاهرة جميعها في فضاء "بيت المسرحي" في تونس العاصمة، بدون حضور جمهور، ثمّ بثّت على مواقع التواصل الاجتماعي، وحقّقت مشاهدة جماهيرية محترمة.
يمكن أن نسجّل أيضاً تنظيم معرضي كتاب، الأول كان في حزيران/ يونيو الماضي في تونس العاصمة، وهو "المعرض الوطني للكتاب التونسي" في دورته الثالثة، وقد نجح في خلق بعض الحراك الثقافي لأيام، ولكنه افتقد روح الابتكار فلم يقدر البرنامج الثقافي أن يكون عامل جذب نحو المعرض، حتى أن الكثير من دور النشر قد اعتبرت أن الدورة الحالية تمثّل فشلاً تجارياً ذريعاً وجرى اعتبار السبب الرئيسي لذلك هو الاختيار الخاطئ للفترة الزمنية التي أقيم فيها.
إيقاف الحياة الثقافية بالكامل ليس قدراً لا يمكن الإفلات منه
من 14 إلى 24 آب/ أغسطس، أقيم معرض كتاب آخر في مدينة قليبية، شمال شرق البلاد. يمثّل هذا المعرض أحد المناسبات القليلة التي يصل فيها الكتاب التونسي بشكل موسّع إلى قرّاء المدن غير الكبرى، وبسبب ذلك يشكّل تنظيم "معرض قليبية للكتاب" نجاحاً في حدّ ذاته، وإن بقيت دورة هذا العام بدون برنامج ثقافي في ظلّ البروتوكولات الصحية المفروضة.
يشير تنظيم هذه التظاهرات إلى أن صيفاً بلا ثقافة ليس قدراً لم يكن ممكناً الإفلات منه، فلا شيء يمنع من تنظيم التظاهرات الافتراضية، ولا شيء يمنع من تنظيم مجموعة فعاليات مع احترام كل الإجراءات، ومن المعلوم أن الفعاليات الفكرية والأدبية لم تكن تحظى بمتابعة جماهيرية كبرى، حيث إن الندوة والمحاضرة الواحدة كانت تحذب بضعة أنفار عادة.
على ما يبدو فإن سبب هذا "الانسحاب" من الفعل الثقافي خلال أشهر الصيف هو إعلان وزارة الثقافة عن إلغاء المهرجانات الكبرى، مثل "مهرجان قرطاج الدولي" و"مهرجان الحمّامات"، وكأنها كانت رسالة لكل البيئة الثقافية بإلغاء مشاريع التظاهرات المزمع تنظيمها. يدلّ ذلك على الموقع الذي لا تزال تحتله الدولة في "إنتاج الثقافة" في تونس، ويدلّ أيضاً على قلّة الحيلة التي تحكم معظم المشهد الإبداعي، فالجميع يبدو معوّلاً على الذريعة ذاتها: كورونا.