تزوير الرواية

08 سبتمبر 2023
مجد كيالي/ سورية
+ الخط -

أخطر ما يُواجه الرواية هو تاريخُها، فتاريخ الرواية يخوض صراعاً ضدّ نفسه، وهو الحائر بين التأريخ، الذي يرغب في أن يتّصف بالحِيادية، ويُطلق على نفسه اسم البحث، حين تكون المهمَّة الأساسية لديه هي الإحصاء، والتسجيل، والتوثيق، وهو ما نراه ونلمسه لدى أولئك الذين تستهويهم تلك القوائم التي يعملون على أن لا يفلت منها أيّ اسم، أو أيّ عمل، أطلَق على نفسه اسم "رواية"، كي يُضيفوه إلى التاريخ. وبين أن يحلّ أيّ عمل رديء فنّيّاً، أو فكريّاً، إلى جانب الأعمال الجيّدة، ويمضي إلى سجلّات الزمن بوصفه رواية.

ويبدو التأريخ في مثل هذه الثقافات، متساهلاً، دون حدود، في شأن النوع، ولهذا تكثر فيه الأعمال التي تتحدّى الاسم، وتلطّخه بكل ما تشاء من كتابة تزعم، أو تدّعي أنها "رواية"، وهي تؤكّد أنّها الرواية تماماً، وبلا أيّ نقص، أو عيب.

والسبب الرئيسي الذي يمنح المجال واسعاً أمام التجربة، وبالطبع ليس بالوسع منعها، وليس من العدل كبحُها، هو أنّ الرواية ترفض أن تحشر في أيّ تعريف. وقال بيير شارتييه في كتابه "مدخل إلى نظرية الرواية"، إنّ الرواية هي النوع الوحيد المفتقِد للقواعد، ولهذا فإنّ تاريخ الرواية يخوض هذا الصراع الخفيّ، والمُعلَن أحياناً، ضدّ التسمية. وإذا كانت الثقافات التي تأسّس فيها فنّ الرواية، وأضحَت تنظر له كنوع إبداعيّ له مجموعة من الأُسس، قادرة على تسمية الرداءة وفصلها، فإنّ الثقافة العربية لا تزال تتردّد هنا، وتعجز هناك، وتستسلم أحياناً لطُوفان الكتُب التي تزعم الانتساب للرواية.

يحمي التأريخ الرديءَ حين يصنّفه في "النوع نفسه" مع أعمال رصينة

والتأريخ يحمي التجارب الهزيلة والرديئة، حين يصنّفها في النوع نفسه، مع الأعمال الرصينة والجميلة في الثقافة نفسها، وهكذا فإنّ هُواة الجرد والإحصاء يُمكنهم أن يضعوا نجيب محفوظ وعبد الرحمن منيف وحنا مينه، وغيرهم من الروائيّين العرب المعروفين، جنباً إلى جنب مع أيّ عمل يزعم أنه رواية. وعندئذ سوف يكون المؤسِّس في سوية المقلِّد، على أنّ الأخطر من ذلك أن يقف مدّاحو السُّلطة، ومزوّرو الحقائق (نماذجُها عشرات الكتب التي تصدر في مسابقات وزارة الثقافة السورية وهي تزعم أنها تروي أحداث السنوات العشر الماضية) في ذلك المقام.

لا وجود لجواب حاسم للسؤال: ما هي الرواية؟ وفي الغالب فإنه لن يكون كافياً لاستبعاد الرديء، ولهذا فإنّ السؤال الآخَر يجب أن يتّجه لتعريف الرداءة، لا الجودة، أي أنّ الأمر قد يُشبه تنقية القمح من الحصى والقشّ.

ووجود أنواع يمكن تعريفها داخل الرواية، مثل الرواية البوليسية، لا ينقذ الجانب الفنّي، إذ إنّ الاحتفاء بالموضوع، أو بالقضية الساخنة التي تتناولها الروايات الصادرة، من قِبل بعض القرّاء أو النقّاد، يجعل من الصعب التعلّق بالقيمة الفّنية في قضية التعريف. اللافت في أن تكون حرية الرواية هي التي تسمح لكلّ من شاء أن ينتهك وجودها.

وعلى الرغم من أن البشر (هناك من يقول: الزمن)، لا يُقدّمون لنا خطّتهم، أو وصفتهم السرّية التي تمنح الأعمال الأدبية حياتها واستمرارها، فإنّنا سوف ننتظر قرارهم العادل في هذا الشأن. 


* روائي من سورية

موقف
التحديثات الحية
المساهمون