"تجميع أحلام" من أجل فلسطين: خارج مقرّرات الاندماج الألماني

26 سبتمبر 2024
من إحدى أمسيات المهرجان (أندرياس جوب)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- مهرجان "تجميع: أحلام" في هانوفر يهدف إلى إتاحة الفرصة للأصوات الشابّة من ذوي الأصول المُهاجِرة لعرض أعمالهم بعيداً عن القضايا التقليدية مثل الاندماج والعنصرية.
- مدير المهرجان، قادر أوزديمير، ينتقد المؤسسات الثقافية الألمانية لعدم تغيير تعاملها مع المهاجرين منذ أكثر من سبعين عاماً، مما لا يتناسب مع تجارب الجيل الثاني والثالث من المهاجرين.
- رغم قلّة الداعمين، نجح المهرجان في مضاعفة عدد زائريه واستضاف كتّاباً بارزين، وناقش قضايا مهمة مثل الدعم الألماني لدولة الاحتلال في فلسطين، مع جلسات تعارف ومنصّة مفتوحة وورش عمل.

احتضنت مدينة هانوفر الألمانية هذا الشهر النسخة الثانية من المهرجان الأدبي "تجميع: أحلام" تحت شعار "ارفعوا الصوت معاً"، والذي تنظّمه مجموعة من الكتّاب والفنّانين من ذوي الأصول المُهاجِرة ممّن وُلدوا وكبروا في ألمانيا، بهدف إتاحة الفرصة للأصوات الشابّة من هذه الفئة لإيجاد منصّة تعرض من خلالها أعمالها، وتتواصل مع الجمهور، للنقاش وتبادل الآراء والخبرات حول مستجدّات النتاج الثقافي والفنّي في ألمانيا.

ولا يتخصّص المهرجان في بحث قضايا مثل الاندماج والعنصرية وغيرها، بل يجمع أشخاصاً من ذوي التجارب الخاصة والمتشابهة، لتقديم أعمالهم وتجاربهم الذاتية في أيّ موضوع وضمن أيّ إطار يُناسبهم ويعكس توجُّهاتهم الخاصة.
التقت "العربي الجديد" بمدير المهرجان، قادر أوزديمير، الذي لفت إلى أنّه "لا توجد أيّ مؤسسة ثقافية ألمانية من مسارح ودُور فنون، مَعنيّة أو مهتمّة بإتاحة الفُرص لمثل هؤلاء المُبدعين، وإن حصل ووُجِّهت إليهم دعوات، فلا تُوجّهها إلّا إلى وجوه معروفة بالفعل، لا يُطلب منها الحديث إلّا في قضايا يتمّ طرحُها منذ الخمسينيات، حين وصل أوائل المهاجرين إلى ألمانيا".

ووفقاً لأوزديمير: "لم يتغيَّر تعامل المؤسّسات الألمانية مع المهاجرين والفنّ الذي يقدِّمونه منذ ذلك الوقت، وبقي على مدار ما يزيد على سبعين عاماً، يتمحور حول كلمة واحدة فقط هي 'الاندماج'، حيث تُفرض على هذه الشخصيات سلوكيات وأساليب محدّدة يُراد لهم من خلالها إثبات اندماجهم مع المجتمع الألماني، وذلك عبر تقديم عروض ونصوص للجمهور الرئيسي لهذه المؤسّسات، وهُم البِيض وكبار السنّ".

مواجهة نُخبة تريد إخماد الأصوات المناهضة للإبادة

ويُتابع لـ "العربي الجديد": "النتاج الأدبي والفنّي الذي سمحت وتسمح المؤسّسات الألمانية بدعمه على مدار سبعين عاماً لا يتجاوز شكلين اثنين، هُما الفولكلور والتفاعل الثقافي بين الثقافة الأصلية والثقافة الألمانية، الأمر الذي لا يتناسب بتاتاً مع التجارب التي مرَّ بها أبناء الجيل الثاني والثالث الذين وُلدوا وكبروا في ألمانيا، فهم أبناء مزيج ثقافي لا يُمكن فصله، كما لا يلبّي طموحاتِهم تقديمُ عروض فولكلورية سطحية لتسلية الجمهور الأبيض، ولا أن يُشاركوا في برامج شكلية عن التواصل بين الثقافات المختلفة، فهُم ليسوا أبناء ثقافة مختلفة، بل هُم أبناء هذا البلد، ونشأوا ضمن سياق ألماني بامتياز".

ورغم أنّ ألمانيا، ومنذ فترة مبكّرة بعد الحرب العالمية الثانية، صارت دولة مُستقبِلة للمهاجرين، إلّا أنّه لا يزال هناك إعراضٌ شعبي ورسمي عن قبول ثقافات جديدة داخل حدود الدولة الألمانية، تُفرِز بصورة طبيعية أشكالاً فنّيةً وأدبيةً تختلف عن السائد في الأوساط التي لم تحظَ بهذا الامتزاج، ولم يكن لها مدخل شخصي مباشر إلى ثقافة ولغة أُخرى.

قادر أوزديمير
قادر أوزديمير

لهذا يرى أوزديمير في المهرجان فرصةً لتغيير هذا الواقع، إذ يهدف إلى خلق جمهور جديد يتفاعل ويتلقَّى الناتج الثقافي لأصحاب الخلفية المهاجرة باحترام وانفتاح كامل، وقد يكون نجاح هذه التجربة مصدر إلهام وتشجيع لكثيرين، خصوصاً أنّ المهرجان استطاع في سنته الأُولى أن يخرج دون خسائر مادّية أو ديون رغم قلّة الداعمين. أمّا في نسخة هذا العام فقد نجح في أن يُضاعف عدد زائريه، وأن يُقيم فعالياته في مركز ثقافي بارز، وقد نفدت كلّ التذاكر المتاحة، رغم أنّ مدينة هانوفر لا يتركَّز فيها عدد كبير من أصحاب الخلفية المُهاجِرة كمدن أُخرى مثل كولونيا وفرانكفورت وبرلين، الأمر الذي قد يُشجِّع آخرين، خصوصاً من تلك المدن الكبيرة، على استلهام هذه التجربة وتوسيعها.

وبعد أن كان شعار النسخة الأُولى "قصّتك مهمّة لكلّ أحد"، اختار المنظّمون لدورة العام الجاري شعار"ارفعوا الصوت معاً"، وفي ذلك إشارة إلى العديد من الأصوات التي تحاوِل النُّخبة الثقافية المتسيّدة في ألمانيا إخمادها لمناهضتها الإبادة الجماعية في فلسطين، خصوصاً إذا كانوا من خلفيات مهاجرة يسهل إسكاتهم ومهاجمتهم وتخوينهم، أو ملاحقتهم في مصادر رزقهم، والتشهير بهم لتُمنع عنهم المِنح الثقافية.

تجارب لا تلتزم بإملاءات المؤسّسة وجمهورها الأبيض

وفي هذا السياق، استضاف المهرجان الكاتبين اليهوديّين المناهضَين للصهيونية، ناثان ثرال، لعرض كتابه "يوم في حياة عبد سلامة"، الذي كتبه أثناء إقامته في القدس المحتلة عن مأساة أب فلسطيني تُوفّي ابنه بحادث سير، والكاتبة ديبورا فيلدمان، لعرض كتابها "الولع باليهود" الذي يبحث في ظاهرة غريبة لدى الألمان تتمثَّل بولع بعضهم باليهودية واليهود، وبدولة الاحتلال، في ردّ فعل على جرائم النازية.

ويشير أوزديمير، في حديثه إلى "العربي الجديد"، إلى حضور فلسطين القوي في المهرجان، وتأكيد المشاركين موقفهم الرافض للدعم الذي تُقدِّمه الحكومة الألمانية لدولة الاحتلال في حرب الإبادة في غزّة، الأمر الذي دفع بعض الداعمين لسحب دعمهم، ولمحاولات أُخرى للتضييق على المشاركين أو دفعهم لتأجيل المهرجان، وأضاف: "لم يكن الغرض من المهرجان تقديم تنظيرات ومناظرات سياسية، حتى ولو تضمّن بعض الرسائل، لكنّه يظلّ مناسبة أدبيةً بامتياز، الغرض الأساسي منها هو الاحتفاء بالكتابة والكُتَّاب، وتحفيز أساليب فنّية مميّزة وجديدة".

نجح المهرجان في مضاعفة عدد زائريه رغم قلّة الداعمين

ويلفت مدير المهرجان إلى الفعاليات المُميّزة التي تضمّنتها التظاهرة لم تُحصَر بالقراءات التقليدية لكتّاب معروفين، بل شملت أيضاً جلسات تعارف بالإضافة إلى منصّة مفتوحة وورش عمل جمعت أشخاصاً قليلا ما يجتمعون معاً للحديث عن تجارب شعرية ونثرية مختلفة، في حين أُتيحت المنصة المفتوحة لكلّ الحضور، ليقفوا عليها ويقرؤوا نصوصاً لم ينشروها أو لم يفكّروا أن يُشاركوها مع أحد.

بهذا قدَّم مهرجان "تجميع: أحلام" حدثاً ثقافياً مُميّزاً، أُتيح فيه المسرح لمُبدعين قلَّما يُلتفت إلى إبداعهم للالتقاء مع من يُشاركونهم التجربة وتبادل الملاحظات وتلقّي النصائح، من دون أن يخضعوا للنخبة الثقافية والسياسية التي تصرُّ على فرض أدوار محدّدة لهم، وهُم يصرُّون في المقابل على أن يكونوا فاعلين لهم صوتهم وموقفهم، يتبنّون القضايا العادلة، ويُنشؤون فنَّاً ذا طابع خاص.

موقف
التحديثات الحية
المساهمون