يؤرّخ كتاب "تاريخ الملابس والملحقات في المونديال"، الصادر عن دار "كتارا" في قطر، لتاريخ أزياء المنتخبات من قمصان وسراويل وأحذية وقفّازات وأزياء مدربين وحكّام منذ عام 1930، أي منذ أول مونديال أقامه "الاتحاد الدولي لكرة القدم" ("الفيفا")، وحتى اليوم.
ووفق الكتاب الذي أعدّه أحمد مجدي، ويأتي ضمن سلسلة من 22 كتاباً تُصدرها "كتارا" بمناسبة كأس العالم قطر 2022، فإن عام 1930 شهد أوّل عرض أزياء للكرة العالمية، بعد أن خاضت 60 عاماً من التطوّر، في إشارة إلى بدء كرة القدم رسمياً كلعبة ذات قواعد دولية في أواسط القرن التاسع عشر.
فما بدأ بقمصان ذات أكمام طويلة وسراويل ثقيلة ــ تُشعرك وأنت تلعب كما لو كنتَ في مناسبة رسمية ــ تحوّل إلى قمصان بياقات مختلفة، ثم إلى خامات أكثر تحرُّراً، وسراويل أقصر تساعد على خفة الحركة. ومَن يبحث في الصور القديمة لملابس اللاعبين سيلحظ بالعين تلك القمصان ذات الأزرار، والأحذية الواضح وزنها، والتي يخبرنا مؤرّخو اللعبة أنها كانت تزداد وزناً تحت المطر.
أصبح وضع الأرقام على قمصان اللاعبين إلزامياً عام 1954
أمّا زيّ الحكم، ففي لقطات أخرى نراه ببدلة رسمية مع ربطة عنق، وهذا سيصبح خارج أيّ تصور في أزمان لاحقة، إذ إن حكم الساحة أو الراية عليه أن يجاري اللاعبين ركضاً طوال تسعين دقيقة على الأقل. هذا يحتاج إلى أن تكون ملابسه أكثر مرونة، فضلاً عن تطورات في التصاميم والألوان عرفتها المونديالات. كذلك الأمر في أزياء المدرّبين، وهؤلاء كانت مساحتهم أوسع ليتنافسوا كما لو أنهم عارضو أزياء ببدلات لسهرة مسائية، بينما فضّل غيرهم أزياء شبابية.
ثورة بيروفية
يُعيدنا الكتاب إلى ما عاينتْه تلك المباريات في مونديال أوروغواي من قمصان ذات أكمام طويلة، وياقات مربوطة بثلاثة أو أربعة خطوط، باستثناء منتخب بيرو الذي كانت الياقة الخاصّة بقميصه على شكل حرف V، ومنذ المونديال الموالي عام 1934، سيظهر أثر قمصان بيرو، رغم أنها لم تشارك فيه، لكنّها غيرت قمصان كرة القدم حتى اليوم.
إضافة تأسيسية أخرى يسجّلها الكتاب في 1938، حين أقيم المونديال في فرنسا، مع تقصير الأكمام في قمصان بعض المنتخبات في ظلّ ارتفاع درجات الحرارة، إضافة إلى إقفال منطقة الأزرار تحت الرقبة في قمصان أخرى، ولكنّ بعض المنتخبات ظلت وفية للأكمام الطويلة والأزرار ذات الخيوط.
رفض الفيفا العديد من الإضافات الغريبة على أزياء اللاعبين
إلّا أنّ التغيير الجذري الذي شهدته هذه البطولة تمثّل في إلزام المنتخبات بوضع أرقام على قمصان اللاعبين من 1 إلى 11. وهذه بقيت تراوح بين الالتزام بها وعدمه، لكنْ بدءاً من 1954 ستصبح إلزامية، من دون التقيّد بأرقام من 1 إلى 11.
ملابس قطنية
في أوّل بطولة عقب الحرب العالمية الثانية استضافتها البرازيل عام 1950، يشير الكتاب إلى حضور الملابس القطنية الخفيفة والقمصان ذات الأكمام القصيرة، سعياً وراء مرونة أكثر في حركة اللاعب، وقد أدّت صناعة الأزياء الإيطالية دوراً رائداً فيها.
يسجّل في وقت لاحق حضور الياقة الدائرية في قمصان اللاعبين خلال كأس العالم، ومنها قميص المنتخب البرازيلي الذي فاز بنتيجة 4 ـ 1 على إيطاليا عام 1970، في ثالث مونديال يتوَّج فيه بيليه والبرازيل. إلى مونديال إيطاليا 1990، سنكون مع أوّل دورة يعتمد فيها "الفيفا" جزءاً إضافياً من أزياء اللاعبين، ذلك هو واقي قصبة الساق، الذي بات لزاماً على كل اللاعبين ارتداؤه بعدما كان اختيارياً منذ نهايات القرن التاسع عشر، حين ظهر للمرّة الأولى في إنكلترا، وبالتالي فُرضت الجوارب الطويلة.
وطوال المونديالات اللاحقة، شهدت قمصان اللاعبين تنافساً في التصميمات، من طغيان الخطوط الطولية والعرضية والرموز الثقافية وإضافات غريبة رفضها "الفيفا"، كالحمّالات التي ارتداها المنتخب الكاميروني تحت القمصان لتبدو كأنها عضلات ترهب الخصوم في مونديال 2002.
قمصان متشابهة
في مونديال 2006، اشتعلت المنافسة بين ماركات كبرى، مثل "أديداس" و"بوما" و"نايكي" و"أمبرو"، لوضع خطوط التصميم الخاصّة بها في كلّ قمصان المنتخبات التي ترعاها.
فمثلاً، يمكن أن نلمح تشابهات في قمصان منتخبات فرنسا والأرجنتين واليابان وإيطاليا في ما يتعلّق بالخطوط الرئيسية، لأن راعي هذه المنتخبات كان "أديداس"، كما يمكن أن نرى طابع العلامة المائية في قمصان السعودية وبولندا وتونس وإيران لأن الراعي المشترك هو "بوما"، بينما قمصان البرازيل وأستراليا، على سبيل المثال، كانت كلاسيكية من دون تغييرات كبيرة على الألوان المميّزة لكل منتخب، لأن "نايكي" اعتمدت هذا النمط في تلك النسخة.
الأحذية
قبل مونديال 1930، مرّت الأحذية، شأنها شأن كلّ متعلقات كرة القدم، بأطوار عدّة. فمع ظهور كرة القدم بشكلها الحديث، كانت مصنوعةً من الجلد الثقيل المغطّى بالفولاذ والمزوّد بكعب إضافي كقطعة منفصلة.
أضيفت أشياء بسيطة لجعل الحركة أسهل بالنسبة إلى اللاعبين، منها على سبيل المثال الأعمدة ذات الأزرار أسفل الحذاء، ما سهل تحكّم اللاعب بالكرة على شتى أنواع الملاعب بشكل نسبيّ، ولكن ظلت مشكلة وزن الحذاء صعبة للغاية، خصوصاً في حالة سقوط أمطار، ما جعل بدايات القرن العشرين تحمل تغييراً لا بدّ منه في التصميم والصناعة.
يحدّثنا الكتاب عن أحذية كانت تزن نصف كيلوغرام، ومع المطر تصبح كيلوغراماً، ولكن في مونديال 1930، حضرت الأحذية ذات الرباط والعنق الطويل، والأخف وزناً، وصولاً إلى مونديال 1934 في إيطاليا، حيث أتى التعديل الأوّلي على شكل الأحذية في ما يتعلق بالعنق، الذي بات أقصر قليلاً وأكثر ملاءمة للعب كرة القدم. أما ما اعتبره الكتاب ثورة في أحذية كرة القدم، فقد كان باسم ألمانيا حين خاضت منافسات مونديال 1954 بأحذية تزن 380 غراماً فقط.
حرّاس المرمى
الاهتمام بأزياء حراس المرمى أخذ مساراً مغايراً، إذ إن هذا اللاعب هو المميّز بزي مختلف عن باقي أعضاء الفريق، وعليه، سجّل تاريخ المونديالات موجات من الملابس والملحقات، من أهمّها القفّازات. ورغم أن السياق الزمني الموثَّق والمعترف به لدخول القفّازات إلى ملاعب كرة القدم وتطورها غير مثبت بشكل جازم، فإن الحارس الأرجنتيني أماديو كاريزو يعدّ لدى كثيرين أوّل مَن ارتدى زوجاً من القفّازات رسمياً أثناء لعبه مع فريق ريفر بليت بين عامي 1945 و1968.
آخر مرّة لعب فيها حارسٌ مباراةً دون قفّازين كانت في 1978
هذا يعني بوضوح أن ارتداء الحارس قفّازين في بطولات كأس العالم 1930 و1934 و1938 كان اختيارياً، لدوافع لا تقتصر فقط على التصدّي لقوّة الكرات أو حماية الأيدي فحسب، بل للوقاية من الطقس الصعب في المقام الأول، إلّا أن كثيراً من الحرّاس كانوا يفضلون اللعب بأيدٍ عارية.
ظلّت القفّازات تدخل شيئاً فشيئاً إلى ملاعب كرة القدم حول العالم حتى سبعينيات القرن العشرين، ومنذ بداية الثمانينيات، بات من النادر رؤية حارس مرمى ينطلق إلى أرض الملعب من دون زوج من القفّازات. يذكّرنا الكتاب بأن آخر مَن دخل مباراة من دون قفّاز في كأس العالم كان الاسكتلندي ألان روف، وكان ذلك في مونديال 1978 الذي أقيم في الأرجنتين. في كأس العالم 2014، نكون أمام تعديل بسيط على قوانين "الفيفا" في ما يتعلّق بأزياء حرّاس المرمى، حيث سُمح لهم بارتداء قفّازات من أيّ لون، ولكن يجب أن تكون على عكس القميص. كما لا يحظر "الفيفا" ارتداء السروال على حارس المرمى.
المدرّبون
منذ نشأة كرة القدم، لم تكن هناك أيّ قيود تخصّ أزياء المدربين، ما بين النمطين الكلاسيكي والشبابي؛ فالإنكليزي غاريث ساوثغيت، على سبيل المثال، يفضّل الإطلالات الكلاسيكية الرسمية، بينما المدرّبون العرب عادةً ما يظهرون بأزياء تحمل ألوان بلدانهم. دخول ماركات الأزياء الكبرى في العالم لأزياء المدربين في المونديال زاد في المونديالات الأربعة الأخيرة منذ 2006 حتى 2018.
يمرّ الكتاب على العديد من المفاصل مُبرزاً في بعضها مونديال 2010 على أرض جنوب أفريقيا، حين ظهر مارادونا، مدرّب المنتخب الأرجنتيني، ببدلة برّاقة مع لحية مخضّبة، في إطلالة أشرفت عليها ابنتاه ديلما وجيانينا. وفي العام ذاته، كان رمز الأناقة الألماني يواخيم لوف، الذي دخل كأس العالم في هذا العام مدرّباً،لأوّل مرة، بأزياء تحمل تنسيقاً بين "أديداس" و"هوغو بوس".
الحكّام
كان الحكّام يرتدون في البطولات الأولى لكأس العالم بدلات رسمية بشكل كامل، خصوصاً في الدورات الثلاث الأولى من المونديال. بعد الحرب العالمية الثانية، اعتُمدت الأزياء السوداء الكاملة للحكّام على مستوى المونديال، حتى كأس العالم 1994 في الولايات المتحدة الأميركية، الذي أقرّ فيه "الفيفا" ارتداء الحكام ألواناً مختلفة عن الأسود.
وفي نهائي مونديال 1994، كان الموعد مع لون ثوري للغاية: لقد نزل طاقم التحكيم في المباراة النهائية بقيادة المجري ساندور بوهل بأزياء ذات لون بنفسجي فاتح مائل إلى الوردي. منذ هذه النسخة، بدأت التعديلات الثورية في كلّ دورات كأس العالم، وانفتح الباب أمام مزيد من الألوان والأفكار الإبداعية.
يخلص الكتاب إلى أن إرثاً من الألوان والتصاميم والتاريخ حملته أزياء هذه المنتخبات طيلة 92 عاماً هي عمر كأس العالم، عبر أكثر من 400 تصميم مختلِف شهدها عالم كرة القدم في مسابقته الأهمّ، وصولاً إلى مونديال قطر الذي يُنتظر أن يضيف المزيد منها.