"بيت الغيرة وغابات أردانيا": متفرّجون في متاهات ثيربانتس

08 يوليو 2023
من العرض
+ الخط -

"بلا شكّ، أن تكون فقيراً يقتضي كلّ ذلك. وهذا هو سبب كلّ شيء"، بهذه الجملة يفتح المخرج الإسباني إرنستو أرياس ستار مسرحية "بيت الغيرة وغابات أردانيا" للكاتب الإسباني ميغيل دي ثربانتس (1547 - 1616)، مُطوّراً، وفقاً لهذه البداية، المسارات التي يريد أن يأخذ المشاهد من خلالها في هذا النص الدرامي، الذي يُنقل، للمرّة الأُولى، منذ كتابته قبل 400 عام، إلى خشبة المسرح، ويُعرض في "مؤسسة خوان مارش" بمدريد حتى السادس عشر من تموز/ يوليو الجاري.

ألّف ثيربانتس هذه المسرحية عام 1516، أي قبل سنة واحدة فقط من موته. ويمزج مؤلّف "دون كيخوته"، في هذا النصّ، بين عوالم الفروسية والرعاة والحب والغيرة، وينسج قصصاً مسرحية مليئة بالتحف والصناديق السحرية والخزائن التي تخفي الأسرار والأبواب والأذرع والسحب الطائرة.

لا حبكة واحدة للمسرحية، فهي ليست قصة واحدة فحسب، بل ثلاثة خطوط زمنية تتطور بالتزامن: الزمن الأول فروسيٌّ بامتياز؛ وهو يروي قصّة التنافس بين فارسين من بلاط شارلمان (رولدان ورينالدوس)، يقعان في غرام المرأة نفسها (الأميرة الجميلة أنجيليكا). الزمن الثاني رعويّ، ويروي بنبرة ريفية قصة راعيين (لاوسو وكورينتو) لديهما الهاجس المشترك نفسه: حبّ الراعية كلوري. إنه زمنٌ موازٍ لزمن القصّة الأولى، وقد يكون مرآته. وربما لهذا السبب أضاف مخرج العمل مرايا في زوايا المسرح كلّها، لكي يعكس لعبة التداخل والتقاطع والتباين بين القصص.

بسبب غموض نصوصه، اعتُبر ميغيل دي ثيربانتس كاتباً مسرحياً فاشلاً

الزمن الثالث هو زمن الأسطورة، وموضوعه الحب والتعايش في غابات أردانيا، تلك الأرض السحرية التي تحتوي على أدغالٍ غرائبية تنتهي فيها جميع شخصيات العمل المسرحي، والتي يبلغ عددها 37 شخصية، وتجري فيها معطيات القصة الثالثة: ظهور البطل الإسباني برناردو ديل كاربي، ذلك الفارس الذي سيهزم رولدان في الملحمة الفرنسية في رنشفالة، إضافة إلى ظهور امرأة ترتدي زي فارس بحثاً عن مغامرة تسمى مارفيسا. ضمن هذا المعنى، ستؤدي الغابة دوراً رئيساً في المسرحية باعتبارها مساحةً استعارية، حيث يقع فيها الجميع ضحية الوهم.

يوصف مسرح ثيربانتس بالغامض وغير المفهوم في كثير من الأحيان؛ وقد يكون هذا سبباً في اعتباره كاتباً فاشلاً مسرحياً وشعرياً، لا سيّما أن أعماله المسرحية الأخرى، والشعرية أيضاً، لم تلق رواجاً ونجاحاً لا في زمنها ولا حتى الآن. أمام هذا، فإن خيارات مخرج العمل، الإسباني إرنستو أرياس، لم تكن أقل غموضاً: "إنها تحيّةٌ لمسرح ثيربانتس نفسه. لا يهم أن يكشف الجمهور حيل وسحر مسرح ثيربانتس. المهمّ هو بناء متاهة المؤلّف تماماً كما توجد في عقله. وبالطريقة نفسها التي يقع فيها المتفرّج ضحية الوهم في غابات أردانيا، حيث تجري أحداث المسرحية وتتداخل. حاولتُ أن أوقع المتفرّج أيضاً في وهم المؤلّف نفسه، ومن هنا كانت بعض الخيارات الإخراجية، مثل الدخان، والأبواب، والمرايا، والخزن، وغيرها من ديكورات المسرح"، يعلّق مخرج العمل.

لا شك أن من يشاهد العرض المسرحي، سيخرج وفي رأسه الكثير من التساؤلات حول تقاطعات القصص والأزمنة الموجودة في المسرحية، وكأن ثيربانتس يريد أن يقول لنا إنّ لا حدود بين الوهم والحقيقة، بين الواقع والخيال.

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون