في 1 نيسان/ إبريل عام 1891، انطلق بول غوغان في رحلته الشهيرة إلى تاهيتي الواقعة في بولونيزيا الفرنسية، وهي مجموعة أرخبيلات تقع في المحيط الهادي، وأقام فيها حوالي سنتين، ليعود إلى باريس ثم يقرّر في سنة 1895 التوّجه إلى تاهيتي مرّة أخرى ويبقى فيها حتى رحيله.
الهدف المعلن وراء تلك الرحلة تمثّل في الهروب من الحضارة الأوروبية ومن "كل ما هو مصطنع وتقليدي"، كما بيّن الفنان الفرنسي (1848 – 1903) آنذاك، لكن الدراسات التي تناولت سيرته أشارت إلى مشاكله الأسرية مع زوجته التي تركها مع أطفاله الخمسة وديونه المتراكمة.
حتى العاشر من تموز/ يوليو المقبل، يتواصل في "الغاليري الوطني القديم" ببرلين معرض "بول غوغان.. لماذا أنت غاضب؟" الذي افتتح في الخامس والعشرين من الشهر الماضي، ويضيء أعمال الفنان التي تأثرت بالأفكار الاستعمارية الغربية حول "غرابة" الحياة التي يعيشها سكان المستعمرات و"الإثارة الجنسية" لديهم.
تمثّل جزيرة تاهيتي حلماً استعمارياً لفردوس أرضي من ابتداع مخيّلة غوغان في تصويره المكان بشكل لا يشبه حقيقته في الواقع، إنما ليشبع تهويماته ورغباته بتخيّل جنّة يقطنها "البدائيون"؛ وافرة الجمال ومحتشدة بنساء صغيرات جميلات.
ورغم أنه قصد الجزيرة لإنجاز رسوم توضيحية لرواية كتبها الضابط لوتي بيير، إلا أنه قرّر هناك أن يصوّر السكان الأصليين على أنهم يعيشون فقط للغناء والعلاقات الحميمة، لكن لوحاته لم يهتمّ بها أحد، ثم ألّف كتاباً عن رحلته لم يستهو القراء أيضاً، ليسقط أخيراً في وهم اخترعه ولم يستطع الخروج منه.
ويقارن المعرض بين وجهات نظر مختلفة في تناول واقع تاهيتي، حيث تُعرض أعمال لفنانين معاصرين مثل النيوزيلندية الأسترالية أنغيلا تياتيا والياباني يوكي كيهارا والبريطاني نشاشيبي سكير، والناشط والفنان التاهيتي هنري هيرو، في محاولة لإبراز كيف أن الصورة التي أوجدها لها غوغان تتماهى مع خطاب المستعمر الفرنسي، الذي كان يبحث عن أراضٍ جديدة تحتوي على موارد مثل القطن والأخشاب وتوفّر الطعام بتكلفة زهيده لجنوده.
تتميّز لوحات غوغان في تلك الفترة باستخدامه الحيوي والجريء للألوان وأسلوبه الوحشي، ويحمل المعرض عنوان لوحة منها، حيث تظهر فيها مجموعة من النساء بتعابير وجه غير واضحة، في محاولة للإيحاء بأنهن غاضبات من شيء على المتلقي أن يفكّر فيه.