"عناصر من الحدث المسرحي في البلاد التونسية" عنوان كتاب للباحثة التونسية في علم الاجتماع بدرة بشير، والذي صدرت نسخته العربية حديثاً عن "معهد تونس للترجمة"، بترجمة الباحث المسرحي محمد المديوني.
تُعد بشير من الباحثات البارزات في مجال الدراسات السوسيولوجية للمسرح. وفي عملها هذا، تضيء على الفعل المسرحي من زوايا سوسيولوجية؛ مثل وضعية الفنّانين المسرحيين في تونس، ونظرة المسؤولين إلى المسرح، والإنتاج المسرحي المستقل، وعلاقة المسرح بقضايا المجتمع.
ترى بشير أنَّ بالإمكان دراسة المسرح ليس عبر علم اجتماع المعرفة فحسب، بل أيضاً بالاستعانة بعلم الاجتماع السياسي؛ طالما أنَّ الأفكار التي تنقلها الأعمال المسرحية قد تُعبّر عن أيديولوجيات معيّنة أو تدافع عنها، كما أنَّ المسرح في حدّ ذاته قد يكون جزءاً ممّا تسميه الجهاز الأيديولوجي للدولة.
يتوزّع الكتاب على أربعة فصول؛ تتناول بشير في أوّلها، "المسرح في البلاد التونسية"، العلاقة بين المسرح والثقافة بشكل عام، وبين المسرح والتحُّول السياسي والاقتصادي، مقدّمةً إضاءةً على العلاقات المتقلّبة بين المجالَين الثقافي والاقتصادي في تونس.
وفي الفصل الثاني، "نماذج ثقافية جديدة وعراقيل أمام الطاقة الإبداعية: وضعية رجل المسرح في البلاد التونسية"، تُضيء المؤلّفة على وضع الفنّانين المسرحييّن، مقدّمةً في هذا السياق أربعة نماذج للفنّان المسرحي: الفنّان القريب من المؤسّسة الرسمية والذي يُعدّ انعكاساً لها، والتقنيُّ الذي يتملّصُ من رسالة المسرح، والفنّان المبدع الذي يأخذ مسافةً من السلطة، والفنّان المبدع الذي يُعارضها. ولا تخفي بشير، هنا، انحيازها إلى النموذجَين الثالث والرابع.
وتحت عنوان "محاولة لإنهاء الاستعمار الثقافي: الخطاب العلمي الجديد حول المسرح التونسي"، تتساءل الكاتبة في الفصل الثالث عن إمكانية الإبداع في "مجتمع تابع"، مؤكّدةً في هذا السياق ضرورة مواجهة الاستعمار والتبعية، وضرورة تحقيق الحداثة.
وفي الفصل الرابع والأخير، "أشكال التعبير المسرحي غير الرسمي والتغيّر الاجتماعي في البلاد التونسية"، تختار المؤلّفة مجموعةً من الأعمال المسرحية باعتبارها أشكالاً للفعل المسرحي غير الرسمي، معتبرةً أنّ أسهمت في حركة التغيير الاجتماعي في تونس.
في خاتمة الكتاب، تعود بدرة بشير إلى السنوات العشر الأولى التي تلت استقلال تونس، معتبرةً أن المسرح الذي عرفته البلاد خلال تلك الفترة كان مرتبطاً بالحكم الشمولي، واضعةً ذلك في سياق سياسي؛ حيث كان المسرح يؤدّي أحد دورَين: مساندة السلطة السياسية أو الترفيه السهل على الجماهير، مضيفةً أنَّ المسرحيّين الذين رفضوا اتباع هذين الأسلوبين وجدوا أنفسهم عرضةً للإقصاء والتهميش، لتخلص إلى ضرورة العمل لإيجاد مسرح يعبّر عن البعد العربي والإسلامي والمغاربي، ولتحقيق استقلالية المسرح وتحريره من التبعية.