المتأمّل للوقائع التي تحكم العلاقة بين الناس والقانون سوف يكتشف أن أسباب خرق القانون، أيِّ قانون، وفي أي بلد من البلدان، أكثر بكثير من أسباب طاعة القوانين. هذا ما يقوله جوليان باجيني في كتابه "الفلسفة موضوعات مفتاحية"؛ إذ إنّ جوهر هذه العلاقة هو البحث عن مبرّرات الرغبة في خرق القانون لدى الناس، لا لأنهم لا يحترمونه، بل لأنهم يشعرون أنّ القوانين الموضوعة في بلادهم لا تَحترم وجودهم، ولا تدافع عن حقوقهم، ولا تسعى إلى إنصافهم فيما لو تعرّضوا للعدوان من أي جهة كانت. في المقابل تُثبت الوقائع على الأرض أنَّ البشر عامّةً كانوا ينصاعون للقوانين، ويعلنون لها الطاعة، أكثر بكثير من سعيهم للاحتجاج ضدّها، أو التمرُّد عليها.
غير أن التغيُّرات العنيفة التي شهدتها بلادنا في السنوات العشر الماضية وضعت الناس والقانون في المواجهة المباشرة؛ ففي حين ازدادت الجريمة إلى حدود قصوى، تلاشى وجود القانون، أو تراخى، بحيث وجدنا أنفسنا أمام معضلات نفسية وأخلاقية لا تُعد.
نشهد ميلاً طاغياً لدى الناس لاختراع قوانينهم الخاصة
ففي كل مرّة تُرتكب جريمة ما هنا، بتنا نشهد ميلاً طاغياً لدى الناس لاختراع قوانينهم الخاصة، أو تقديم اقتراحاتهم بخصوص العقوبة المقترحة التي يرون أنها أكثر مناسبة لمواجهة المجرم أو المجرمين. وفي الغالب فإنَّ معظم الاقتراحات تنحو إلى معاقبة الفاعلين خارج نطاق القانون المعمول به، أو المنصوص عليه في التشريعات الجزائية. ويتفنّن بعض المشاركين في وسائل التواصل الاجتماعي في تقديم اقتراحات عجيبة من العقاب الجسدي أو النفسي لمن يكون قد ارتكب جرماً ما، أو مخالفة. بل إنَّ كلّ من يطالب بتطبيق النصوص أو التشريعات، يتعرّض للسخرية، الاستهزاء.
أمّا في مجال السياسة فإنّ الأمر يبدو أكثر تعقيداً وصعوبة، وخاصة لدى المعارضة السياسية.
هل توجد قوانين عادلة؟ من الذي يصدر القوانين؟ وهل تقبل أي مشرّع حتى لو كنت تختلف معه فكرياً؟
فأنت تدعو مثلاً للعصيان المدني، وفي جوهر كلّ عصيان مدني خرق لقانون البلد الذي يتم فيه العصيان، ثم تطلب من الدولة التي جاهرت فيها بالعصيان أن تحترم القوانين، أو أن تكون القوانين فيها عادلة يتساوى الناس أمامها. ولكن كثيرين ممّن تحدّثوا عن العدالة ومنهم جون رولز شرّعوا العصيان المدني حين يكون القانون الذي نعترض عليه ظالماً، وفي حالة استنفاد جميع السبل القانونية، أو عندما يتّضح عدم وجود وسيلة شرعية لعلاج القانون الظالم. ففي الكثير من القوانين التي يتضمّنها تشريع أي بلد، انحياز وظلم.
ولا يمكنك مثلاً أن تطلب من المواطن أن يطيع قانون النظام الذي يعارضه، ولكن النظام، أيّ نظام في العالم، ومن أيّ اتجاه سياسي، يعتبر أن أيّ مخالفة لقوانينه تستوجب العقاب، بينما ترى أن كثيراً من الحكومات تنتهك القوانين التي وضعتها بنفسها، حتى أننا سوف نسأل لماذا وُضعت القوانين أصلاً؟ وهذا محرج للغاية لكل معارضة ترفع شعار سيادة القانون،. والمحرج أكثر أن لا تكون لدى المعارضة حزمة من القوانين البديلة.
وفي خضم ذلك الصراع يبدو القانون وحيداً عارياً داخل النصوص.
* روائي من سورية