استمع إلى الملخص
- الفنانة الفلسطينية صبحية حسن قيس قدمت لوحة "العشاء الأخير" برؤية مختلفة، حيث يظهر فيها أطفال يمسكون بأوعيتهم الفارغة، كجزء من معرضها "بائعة السمك" في الجليل المحتل.
- تمثيلات "العشاء الأخير" في الفن الفلسطيني تعبر عن المأساة الفلسطينية، مثل أعمال سليمان منصور ووديع خالد، التي تبرز الحنين للماضي وهيمنة الاحتلال.
تنتشر في الأيام الأخيرة على وسائط التواصل الاجتماعي لوحة بعنوان "العشاء الأخير مع أطفال فلسطين" للباحث والرسام الإيراني محمد علي صنوبري، تُظهر السيد المسيح وهو يتوسّط أطفال غزّة على مائدة عشاء، وخلفهم مشهد الدمار الذي تسبّبته حرب الإبادة الصهيونية.
عملٌ أتى في إطار الردّ على توظيف لوحة "العشاء الأخير" للفنان الإيطالي ليوناردو دافنشي في حفل افتتاح أولمبياد باريس، الذي اختتم منذ أيام، على نحو أثار الجدل حيث عدّه كثيرون مسيئاً للمسيحية، وقام صنوبري بنشر عمله تحت عنوان "وسط دمار مرعب مهول"، قائلاً: "مائدة من رحمة، عطف ومحبة.. هي رسالة المسيح الحيّ في قلب كل مؤمن بمن له الملك والمجد إلى أبد الآبدين.. آمين".
وفي سياق الاحتجاج على المجازر الإسرائيلية، تناقلت وسائل الإعلام يافطات رفعها مشاركون في الأولمبياد، تتضمّن "العشاء الأخير" للفنان الإيراني، الذي يرسم النيران تشتعل في أعلى يمين اللوحة، في إشارة إلى استمرار العدوان الهمجي، وترتفع سحب سوداء باتجاه أفق مغبرّ ومصفرّ، بينما يتطلّع الأطفال صوب المسيح بعيون يمتزج فيها الخوف والرجاء والأمل.
بموازاة ذلك، انتشرت لوحة "العشاء الأخير" برؤية مختلفة للفنانة الفلسطينية صبحية حسن قيس وتستحوذ عليها ألوان سوداء ورمادية في غرفة تحتضن اثني عشر طفلاً يمسكون بأوعيتهم الفارغة أمامهم وفوق المائدة، وهم يعبّرون صراخاً وألماً عن جوعهم، وهي من أعمال معرض الفنانة الذي افتتح السبت الماضي في المركز الثقافي ببلدة كفر ياسيف في الجليل المحتل، تحت عنوان "بائعة السمك"، لكن الصمت المطبق في اللوحة بدا صادماً ومؤثراً في مئات التعليقات حولها.
عبّرت اللوحة كما قدمها الفنان الإيراني عن رفض العدوان
منظوران مختلفان للعمل ذاته الذي استدخلته الذاكرة التشكيلية الفلسطينية منذ زمن، لتعدّد مستويات دلالاته في النسخة الأصلية لدافنشي التي رسمها بين عاميْ 1495 و1498، وتصوّر آخر عشاء جمع المسيح مع تلاميذه قبل خيانة يهوذا الأسخريوطي، وتسليم المسيح للحاكم بيلاطس ومحاكمته تلبية لرغبة اليهود، بحسب المرويّات الدينية.
اتخذت تمثّلات العشاء الأخير بعداً أوسع للتعبير عن المأساة التي تمتدّ منذ نحو ثمانية عقود، فذهب بها الفنان الفلسطيني سليمان منصور إلى الحنين إلى زمن ماضي، حيث يظهر في لوحته التي رسمها عام 1994، اثنا عشر رجلاً من الريف الفلسطيني بزيّهم التقليدي، يجتمعون فوق سطح منزلهم وتظلّهم دالية العنب، لتناول طعامهم، تحيط بهم خضرة المكان ووداعته وسكينته قبل أن يدنّسه الاحتلال.
بعد ذلك بحوالي عقدين، رسم الفنان الفلسطيني وديع خالد اللوحة بالمسمى ذاته، وسيعيد رسم السيد المسيح يحيط به حواريوه على مائدة فارغة، يتحدّثون دون أن تتوضّح ملامح وجهوهم، لكن الغرفة بجدرانها الغامقة تنفتح على منظر لقبة الصخرة في مدينة القدس وكنائسها، وفي العمق رافعات البناء التي تحيل إلى هيمنة المحتل، في محاولة لتقديم عمل أيقوني تكون المدينة المقدسة عنصراً أساسياً فيه يكثف التراجيديا الفلسطينية.
نسخ مختلفة من العمل نفّذها فنانون فلسطينيون لكن ربما لم تنل حظاً من الانتشار، منهم سوسن رشماوي وزكي بابون. اختار بعضهم أن تتطابق مع اللوحة الأصلية التي تصوّر حادثة تاريخية وقعت على أرض فلسطين ولا تزال رمزيّتها حاضرة، وآخرون غلّبوا المكان الفلسطيني على العشاء نفسه. ولكن مهما كان من أمر، يبقى العشاء هو العنصر الأساسي لأطفال غزّة الذين يُعاقبون بالتجويع بما هو جزء من حرب الإبادة التي تمارسها "إسرائيل" منذ عام 1948.