الأدب والجوائز: ما العمل؟

01 اغسطس 2024
رسم جداري في مدينة قرطاجنة الكولومبية (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **ظاهرة المثقفين الموسميين**: يظهر العديد من المهتمين بالأدب فقط عند إعلان الجوائز الأدبية، حيث يقتصر تفاعلهم على الهجوم أو الاحتفاء بالجائزة، مما يعكس تضخم الأنا لديهم ويخلق دائرة مغلقة من العلاقات والخدمات المتبادلة.

- **غياب النقد البنّاء**: يعبر الكاتب عن استيائه من أن صفحات الكتّاب والنقاد تكتفي بالتهجم أو الاحتفاء بالجوائز دون تقديم نقد بنّاء، مما يساهم في تدهور المشهد الأدبي.

- **التحديات الثقافية في العالم العربي**: البلدان العربية تعاني من الفقر الذي يمنع شراء الكتب والغنى الذي يمنع الوقت للقراءة، مما يعيق التفاعل الأدبي المستمر.

بدأتُ أصل إلى قناعة مع كلِّ إعلان لجائزة أو نتائج جائزة، وكلُّ ما هو مرتبط بفكرة الجائزة الأدبية بالمبدأ؛ أنَّ الكثير من المهتمين بالأدب، ولو اهتماماً مفترضاً، مثل صحافي ثقافي أو ناقد أو كاتب أو روائي.. إلخ، يقتصر حضورهم وتفاعلهم في عالم الأدب على لحظات إعلان الجائزة، ثمَّ يعودون إلى غيبتهم. لكن طوال العام، في الأيام العادية، وفي المواقع التي يشغلونها، والصحف التي يعملون بها، أو في صفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، لا نعرف إن كانوا يقرؤون، وإن كان لديهم رأيٌ في الرواية العربية، عدا الهجوم أو الاحتفاء بالجوائز؟ 

الله أعلم. نحن الجمهور في مدرجاتهم لا نتلقَّى منهم سِوى لحظات الظهور القليلة وهم يتراشقون الاتهامات والآراء، فيهاجمون أو يحتفون بجائزة أدبية وقت الإعلان عنها. بوضوح، ليس موضوع المقال أيُّ جائزة، وإنَّما ذلك النوع من الكاتب، أو المثقّف، أو الصحافي الثقافي الذي تقتصر فاعليّته على إثارة الضجيج حيال قيمة الجائزة وموقفه من الجائزة الذي غالباً ما يكون موقفاً مركزيّاً. 

والمركزية التي أقصدها بالتحديد هي الأنا المتضخّمة التي لا تقبل نصاً فائزاً إلّا نصّه، ويمكن أن يتنازل ويقبل نصّ صديقه ضمن دائرة العلاقات التي يسعى دائماً إلى جعلها تنمو وتتسع، وتصبح خدمات متبادلة. 
هؤلاء كُثر، وهم ظاهرةٌ، وبعضهم متحكّم وصاحب قرار في المشهد الأدبي ببلده. قد يبدو أنَّ المقال يعتمد في بنائه على أحدهم. ولكن حقيقة الحال أنه ليس في ذهني اسم بذاته، إنَّما الجو العام من التهالك في البلدان التي صارت ردماً وتذكارات وسيلاً من الحسرة. وكأنَّما هؤلاء نيامٌ، فإنْ أعلن أحدهم عن جائزة، استيقظوا، ثمَّ سرعان ما عادوا إلى نومهم... 

لكن عوض السُبات الذي تمضون فيه، لماذا لا تحدّثونا عن الكتب التي تقرؤونها؟ لماذا لا تقترحون لقرَّائكم، أو في منابركم، اسماً جديداً، أو رواية جديدة، أو حتى صوتاً جديداً؟ كيف تمضون وقتكم بين جائزة وثانية؟ في الحقيقة هناك أمرٌ صار ممجوجاً ومملاً لكثرة تكراره، وهو تلك السلبية المفرطة التي تكتفي بإلقاء اللوم على الآخرين، أو التنظير عليهم. 

 تقتصر فاعلية بعض المثقفين على إثارة الضجيج حيال جائزة ما 

ثمَّ إنَّه لأمرٌ مؤسف أن نجد انتشار الكتاب مقتصراً على صوره بين أصدقاء الكاتب، من غير أن يتطوَّع الصديق كي يخبرنا موضوعه، وماذا أضاف له، وما الحكاية الإنسانية التي شعر بأنَّها لمسته؟ إنَّه لأمرٌ مؤسف أن تكتفي صفحات الكتّاب والروائيين والنّقاد والصحافيين - وهي بالآلاف - بالتهجم أو الاحتفاء بالجوائز، مع غياب يكاد يكون محققاً وعميماً لدورهم في خدمة الأدب كما يريدون أن يوهمونا. 

عهد القول بغياب النَّقاد المدرسيين الذين يضعون نصاً في سياقه ضمن ثقافته، وفي موقعه ضمن نوعه الأدبي، وما الإضافات التي يقترحها لشكله الأدبي. وهذا قولٌ محق، إلّا أنَّه قاصرٌ عن طبيعة العصر الذي نحنُ فيه. كما أنَّ البلدان العربية مقسومة إلى قسمين؛ إما بلدان فقيرة لا يملك مواطنوها ثمن الكتاب، ولديهم الوفرة من الوقت للقراءة، أو بلدان غنية يستطيع مواطنوها شراء الكتب، إلا أنَّهم لا يملكون الوقت للقراءة، فسوق العمل تستهلكهم... إذاً، ما العمل؟ 

أخالُ أنَّه سؤال أكبر من أن يختصر بالهجوم على جائزة، أو الاحتفاء بجائزة، وهو سؤال أمام حشد متضخمي الأنا الذين يقصرون فاعليتهم الوظيفية في عالم الأدب على لحظة ظهور الجوائز. حتَّى يكاد المرء يتوقّع مشاركتهم في أعراس الضجيج، ويتوقّع أقوالهم. وكأنَّما يكاد يقول لهم "عاش مين سمع هالصوت" عوض التعليق الجديّ على منشوراتهم عن جائزة ما. دعوا التراشق المرير جانباً، ماذا تقترحون، وماذا تقرؤون هذه الأيام؟ 


* روائي من سورية

المساهمون