اكتشافات سقارة: ما في الحفريات من دعاية

31 مارس 2022
حضور إعلامي كبير في موقع الاكتشافات في سقارة، 19 آذار/ مارس الماضي (Getty)
+ الخط -

هناك نزعة استعراضية تُحيط بكلّ ما يتعلّق بالآثار الفرعونية في مصر خلال السنتين الأخيرتين بشكل خاصّ، ولا أَدَلَّ من ذلك ما حدث خلال عمليات نقل المومياوات الملكية من متحف إلى آخر، أو عند تهيئة مواقع أثرية، أو افتتاح قاعة جديدة في أحد المتاحف، في حين أن الخطوة الأساسية التي دعت إلى مثل هذه الاستعراضات لم تُنجَز بعد، ونعني افتتاح "المتحف المصري الكبير" الذي كان من المفترض أن يفتح أبوابه في 2020.

هذه النزعة الاستعراضية نجد أثرها حتى في أخبار الحفريات، حيث يُسوَّق كلّ اكتشاف وكأنه منعطف في عِلم المصريات، وهو ما يؤدّي إلى نتائج عكسية أحياناً. كما تبرز ظاهرة في الصحافة المحلّية، تتعلّق برصد صدى كلّ اكتشاف في الصحافة العالمية، تأكيداً على أن الآثار المصرية محور اهتمام دولي، من اليابان في أقصى الشرق إلى الولايات المتحدة الأميركية، كما هو الحال مع الاكتشاف الأثري الأخير في منطقة سقارة (على بُعد أربعين كليومتراً من القاهرة).

تتمثّل الاكتشافات في خمس مقابر مزيّنة برسومات محفوظة جيّداً، تعود إلى عصر الدولة المصرية الأولى، وقد عثر عليها فريق بحث مصري ــ لعلّه من الوجيه أن تضاء جهود أعضائه، لكنّ الأضواء الإعلامية في مصر اتّجهت صوب الشخصيات الرسمية وحدها تقريباً.

تتّجه الأضواء الإعلامية صوب الشخصيات الرسمية على حساب الأثريّين

منطقة الحفريات التي ظهرت فيها هذه اللقى هي المنطقة الشمالية الغربية لهرم الملك مرين الأوّل (حكمَ في الفترة نحو 2270 قبل الميلاد) في منطقة سقارة، وقد كانت محلّ زيارات رسمية منذ الإعلان الأوّل عن الاكتشاف في 17 آذار/ مارس المنقضي.

تعود المقابر المكتَشَفة إلى شخصيات ذات مسؤوليات رفيعة في جهاز الدولة المصري الفرعوني، وتتألّف كلّ مقبرة منها من بئر تؤدّي إلى حجرة دفن منحوتة على جدرانها صورٌ للعديد من المشاهد الجنائزية، بما في ذلك مناظر لطاولات القرابين وأوان مقدّسة. كما يحتوي أحد المدافن على تابوت ضخم، مصنوع من الحجر الجيري يُفترض أنه يعود إلى شخصية فرعونية بارزة.

لم يفوّت المشرفون على قطاع الآثار فرَص الترويج للسياحة المصرية كما جرت العادة، وإنْ كان علينا أن نَحمل هذا الترويج على معنى مخصوص، وهو القول بأن الاكتشافات الجديدة ستخلق مزيداً من الجاذبية السياحية في مصر ــ خطابٌ من الواضح أنه يروَّج داخلياً ولا معنى له تقريباً خارج هذا السياق. ذلك أن سوق السياحة الدولية محكوم بقوانين عرض وطلب أُخرى، واتّفاقيات طويلة المدى، كما أنها تتأثّر بعوامل كثيرة خارجة عن التوقّع، ليس أقلّها الحرب الروسية على أوكرانيا، التي تخيّم بظلالها على العالم اليوم، ناهيك عن موجات فيروس كورونا ومتحوّراته، دون أن ننسى أن السياحة تقوم على كلّ شيء إلّا البرمجة المسبقة، ولا نحسب سيّاح الصيف القادم ــ بالضرورة ــ متابعين لأخبار الحفريات في مصر كي يحدّدوا برنامج عطلهم على ضوئها...

المساهمون