افتُتح في "متحف غاغينهايم" بنيويورك، يوم الجمعة الماضي، الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، معرضٌ استعادي للفنانة والشاعرة اللبنانية إيتيل عدنان تحت عنوان "مقياسٌ جديد للضوء". المعرض الذي يستمرّ حتى العاشر من كانون الثاني/ يناير من العام المقبل، هو معرضها الفرديّ الأوّل في نيويورك، وفيه مسْحٌ شامل لأعمال الفنانة، مع التركيز على محطّات أساسية في تجربتها وعلى أعمال تعكس رؤاها الفكرية والإبداعية.
في حفل افتتاح المعرض الذي حضرته الفنانة السورية سيمون فتّال نيابةً عن صديقتها إيتيل عدنان، التي منعها المرض من مغادرة شقّتها الباريسية، وصفت فتّال أعمال زميلتها بأنها تؤدّي نفس "الدور الذي اعتادت الأيقونات القديمة أن تلعبه لدى المؤمنين. إنها تنضح بالطاقة، تمنح الطاقة. هي تحميك مثل التعويذات. وتساعدك على مواجهة حياتك اليومية".
استعادةٌ لأبرز محطّات تجربتها الفنية الممتدّة على سبعين عاماً
من جهتها، تقول كاثرين برنسن، منسّقة المعرض، إنّ "عدنان تبتكر لوحاتها بشكل حاسم وبديهي. تجلس على مكتبها مع لوحاتها الصغيرة المسطّحة، وتضع الأصباغ مباشرةً من الأنبوب، مستخدمةً سكّين لوح الألوان لتقديم تركيبات ذات طابع فوريّ مشعّ".
تتكرّر الأشكال الهندسية البسيطة في أعمال عدنان التي يضمّها المعرض: مربّع أحمر يثبّت الأشكال المجردة، ودائرة مشرقة للشمس، وشرائط أفقية توحي بوجود السماء فوق المحيط. هي عودة إلى أحد موضوعاتها الدائمة: جبل تامالبايس، المنظر الذي كانت تشاهده من منزلها خلال الأوقات التي عاشتها في سوساليتو بكاليفورنيا، وهي تستحضره بأشكال لا حصر لها.
مارست إيتيل عدنان، خلال سبعين عاماً من الاشتغال، أشكال تعبير متنوّعة تشمل اللوحات والمنسوجات والرسومات والأعمال الحروفية، كما أنها، إضافةً إلى ذلك، شاعرة وصحافية، فقد عملت لسنوات طويلة في صحيفة "لوريون لوجور" اللبنانية الفرانكفونية. كما أنها مؤلّفة رواية "الست ماري روز" (1977)، إحدى الروايات العربية اللافتة التي عالجت إشكالية العنف والجنس والمرأة في إطار الحرب الأهلية اللبنانية. كما كتبت القصة القصيرة، والمسرحية، والمذكّرات، وأدب الرحلة، والتأمّلات الفلسفية في سلسلة كتيّبات صدرت في العشر سنوات الأخيرة عن دار "إيشوب" الباريسية.
وُلدت إيتيل عدنان في بيروت عام 1925، وتغذّت بثقافات ثلاث هي العربية واليونانية والفرنسية. بدأت الرسم أواخر الخمسينيات وهي أستاذة فلسفة في "جامعة بيركلي" في حقبةٍ شهدتْ تخلُّصَها من الفرنكوفونية لغةً ومناخاً نفسياً، وذلك تضامناً مع الشعب الجزائري خلال ثورة التحرير. ومثلما قال كاتب ياسين: الفرنسية منفاي؛ غادرت إيتيل عدنان اللغة الفرنسية في لحظة وعي حادّ بالتناقض بين الجرائم الفرنسية في الجزائر وخطاب الأنوار الذي اكتشفتْ زيفه؛ وقالت كلمتها التي باتت معروفةً منذ لك الحين: سأبدأ الرسم بالعربية. وتقول في مكان آخر: "يبدو لي أنني أكتب ما أشاهده وأرسم عالمي الداخلي".
ترسم إيتيل الآنيَّ، اللحظة، لأنّ فعل الخلق لديها تلقائيّ، فوريّ، بسيط وعميق في آن. هي قريبة في رؤيتها الإبداعية من مدرسة نيويورك التعبيرية التجريدية في إرادتها القوية على إقامة التواصل مع الأعماق السحيقة، كما هي قريبة من التشكيلي الفرنسي ذي الأصول الروسية، نيكولا دي ستايل. اللون، عندها وعنده، هو المحدّد الأساسي للوحة.