مما لا شكّ فيه أن الإسلام مكوّن ثقافي أساسي في فرنس منذ عقود نظراً لوجود جالية عربية كبيرة منذ منتصف القرن الماضي، وقد كان ذلك سبباً في توليف أجيال جديدة ذات ثقافة وسيطة. لكن هذا الحضور للإسلام في الثقافة الفرنسية، هل تُسنده معرفة تاريخية؟
لا يبدو الأمر كذلك بالمرة، حيث يحضر الحديث عن الإسلام في الغالب ضمن مشاحنات أحداث الحياة اليومية وهو ما يمنع كل تقديم رصين للتاريخ الإسلامي. في كتابه الأخير، "إمبراطورية الإسلام"، الذي صدر عن منشورات "بوان"، يسعى المؤرّخ الفرنسي غابرييل مارتنيز-غرو (1950) إلى سدّ هذه الثغرة.
يقدّم المؤلف إضاءة موسّعة على وجوه عدة من الحضارة العربية الإسلامية من التاريخيِّ بمعناه الحدثي إلى محاولة فهم المكوّنات الثقافية المتعددة التي صنعت هوية تربط بين جغرافيات متباعدة من المغرب الأقصى إلى الهند.
يشير المؤلف إلى أنه هدف بهذا العمل إلى تجاوز ما يسميه بـ"تاريخ الإسلام من زاوية الغرب"، حيث يستند إلى مراجع عربية أساساً ولا يدخل في تأويل الأحداث التاريخية. يعتمد المؤرّخ الفرنسي بالخصوص على مدوّنة بن خلدون باعتبارها تحمل وجهين؛ الأول أنها تضمّنت كتابة تاريخية بالمعنى الكلاسيكي، والثانية أنها تحمل نزعة تأملية في مسارات التاريخ الإسلامي وأبرز محطاته.
هذا الاعتماد على صاحب المقدّمة ليس غريباً عن مارتينيز-غرو باعتباره متخصصاً في فكره وسبق له أن أصدر كتاباً حوله بعنوان: "ابن خلدون والحيوات السبعة للإسلام" (2007). ومن مؤلفاته الأخرى: "الأيديولوجيا الأموية" (1992)، و"الهوية الأندلسية" (1997)، و"تاريخ موجز للإمبراطوريات" (2014).