- يسعى لإنشاء فريق مسرحي في معليا لتكريس الفن الملتزم والحفاظ على الهوية الفلسطينية، مع التخطيط لمهرجان دولي يعزز التواصل بين الشباب الفلسطيني في مختلف المناطق.
- يواجه التحديات بالفن، مع تدريب الشباب وتقديم عروض تعكس الواقع الفلسطيني، ويحلم بإنشاء "القرية الفنية" في أريحا كمركز للإبداع يجمع بين المسرح والسيرك، مستخدمًا المسرح كسلاح للحرية.
صعد إدوارد معلّم الخشبة منذ سبعة وأربعين عاماً ليقدّم شخصية صامتة تراقب العدو، لكنه دورٌ قلَب حياته رأساً على عقب وجعَل المسرح مركزه وفضاء آمناً للتفكير والعمل والمغامرة، وبالطبع اجتراح مشاريع تعيده هذه المرّة إلى قريته معليا، مسقط رأسه في الجليل، حيث سيؤسس فيها مؤسسة مسرحية ربما تحمل اسم "الأحلام"!
الحلم هي كلمة السرّ في تجربة الممثل والمخرج المسرحي الفلسطيني (1958)، ينطلق منها في حديثه إلى "العربي الجديد"؛ حلمٌ بعرضٍ مسرحي يمثّل فيه مع رفيقة دربه وزوجته المخرجة والممثلة إيمان عون، يضيء علاقة رجل بامرأة، ويعكس لجمهورهما كيف تطوّرت هذه العلاقة على مدار عقود من العمل الدؤوب المشترك بينهما في أرض الواقع.
وحلمُ ثانٍ بإنشاء وتدريب فريق مسرحي من معليا، والقرى المحيطة بها، من أجل تكريس الفن الملتزم داخل فلسطين المحتلّة عام 1948، في لحظة حرجةٍ يخاف فيها معلّم من ضياع هوية الشباب الفلسطيني في منطقة الجليل، ويسعى إلى إيجاد جسر تواصل بينهم وبين إخوتهم في الضفة الغربية، يربطهم بمؤسسة "عشتار لإنتاج وتدريب المسرح" في رام الله، التي أنشأها مع إيمان، وتتسلّم إدارتها قريباً مجموعة من الشباب، ويتضمّن المشروع الجديد إنشاء مهرجان دولي يحتضنه مسرح معليا، بالإضافة إلى ساحاتها الخارجية.
استعادة البدايات
دربُ الأحلام لا ينفصل عن البدايات التي يستعيدها معلّم، حين كان طالباً في "الجامعة العبرية" في القدس عام 1977، يدرس في قسم المسرح الذي غلب على مساقاته الجانب النظري، مع زملاء دفعته الذين كان بينهم سبعة طلاب فلسطينيّين، في الحفل السنوي الذي تنظمه لجنة الطلاب العرب في نهاية كل عام دراسي، في فترة شهدت هجمة شرسة من سلطات الاحتلال ضدّ الشعب الفلسطيني إثر الإضرابات والاعتصامات التي امتدّت من الجليل إلى النقب بعد مصادرتها آلاف الدونمات الزراعية من أرضه.
سيؤسس في قريته معليا مؤسسة مسرحية ربما تحمل اسم "الأحلام"
ويشير إلى أنّه قدّم مع زملائه الأحد عشر مشهداً مسرحياً حول العنصرية والاضطهاد والتمييز ضد الطلبة العرب في الجامعة بنهاية العام الدراسي، وكانوا يبحثون حينها عن مخرج لعرضهم، فاقترح عليهم بعض الأصدقاء اسم المخرج الفرنسي الفلسطيني فرانسوا أبو سالم (1951-2011)، الذي نشأ في فلسطين وعاش فيها معظم حياته ورحل فيها، فقاد مجموعتهم التي تمّ التحقيق معها بتهمة إهانة العلم الصهيوني أثناء العرض، ليتم الإفراج عنها لاحقاً لعدم ثبوت التهمة!
إلى جانب المسرح، درس معلّم الجغرافيا، وهو تخصّص لم تكن تقبل إلا قلّة من الفلسطينيّين على دراسته نظراً لحساسيته السياسية بالنسبة لسلطات الاحتلال، وأراد اتخاذها مهنة له قبل أن يطلب أبو سالم لقاءه مع زميليه القادمين من الجليل أيضاً، عدنان طرابشة ومحمد محاميد، في بيته بحيّ الشيخ جرّاح المقدسي. لقاءٌ حفّزه لدخول المسرح، العالم الذي عاشه في كلّ تفاصيل حياته حتى اليوم.
يضيف أن "فرانسوا هو الملهم لنا كمسرحيّين، أصبحنا محترفين على يده، وله دور مهم يصعب أن يتخطاه أي مسرحي فلسطيني، حيث استطاع كلّ واحد من فريق (الحكواتي) الذي أداره فرانسوا بنفسه أن يؤسس مشروعه الخاص، وأصبح هناك وجود لمسرح فلسطيني يقدّم عروضه حول العالم".
ذكريات تمرّ على البال، بعد إعلان وزارة الثقافة الفلسطينية اختياره شخصية العام الثقافية لسنة 2024. "لم أتوقّع التكريم، لأن السلطة لم تكرم مسرحياً واحداً وانحصر تكريمها بالكتّاب والفنانين التشكيليّين"، يقول معلّم، الذي ينتقد الإهمال الرسمي للمسرح، حيث قبِل تكريمه لأن وزير الثقافة السابق الروائي عاطف أبو سيف التفت إلى هذا الفن والمشتغلين فيه، موضحاً: "لم أطلب تكريماً، وأعتبر نفسي كجندي مجهول في المسرح بجدية ومثابرة والتزام، وفوجئت بالتكريم لأنهم كشفوا هذا الجندي المجهول".
مسرح في مواجهة الإبادة
لا يمكن فصْل المسرح وحديثه عن حرب الإبادة الإسرائيلية التي تتواصل منذ نحو ستّة أشهر، وتستهدف الأطفال والنساء وكل البنى الثقافية في غزّة، وشكّلت صدمة لمعلّم خلال الشهر الأول ليمضي ساعاته على شاشات التلفزة، ولم يذهب إلى "مسرح عشتار" إلّا مرّة واحدة كلّ أسبوع بسبب حواجز الاحتلال التي كانت تطوّق رام الله، واستمرت الحال حتى تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، حيث تواصلت المديرة العامة لـ"مسرح عشتار" الفنانة إيمان عون مع المسؤول عن فرع "عشتار" في غزّة"، المسرحي علي أبو ياسين، للمباشرة مع مجموعة "عشتار" في غزّة بتطبيق برنامج تدريبي خاص للتفريغ النفسي باستخدام الدراما، موجّه لأطفال قطاع غزّة الذين هجّروا من بيوتهم وتركّزوا في مدينة رفح.
يستذكر معلّم الانتفاضة الفلسطينية عام 1987، حيث طالبهم البعض بإغلاق مسرح "الحكواتي" لكن أبو سالم رفض ذلك، مؤكّداً أنَّ الانتفاضة ستستمر لسنوات وللمسرح دور نضالي فيها، فأسس حينها المقهى الثقافي الذي اتسع لستين شخصاً وقدّم من خلاله مسرحيات قصيرة. ولأن الحرب على غزّة مستمرة، استكمل "مسرح عشتار" التدريب مع طلابه ضمن منحة قدّمتها مؤسّسة ثقافيّة أردنية لمشروع "المسرح والهوية"، ويضمّ عروضاً مسرحية وورشات في فلسطين والأردن والجولان تمزج بين السيرك والمسرح والرقص المعاصر، حيث قدّم العرض الأدائي "عوالم" لعشتار معلم وإخراج إميل سابا وكليمنت دازان في عّمان، ليستكمل البرنامج خلال الأسابيع القادمة بتقديم ثمانية عروض لمسرحية "حجارة وبرتقال" التي يؤديها الفنانان إدوار معلم وإيمان عون في مجدل شمس والناصرة، والقدس وبيت لحم، وتتناول الهجرات الاستيطانية اليهودية الأولى إلى فلسطين. كما تتواصل ورشة الكتابة لإنتاج عمل بعنوان "غرنيكا/ فلسطين" يُخرجه إميل سابا، ويعرض في تمّوز/ يوليو المقبل في فلسطين وأيرلندا.
ويلفت إلى أن مؤسّسة "عشتار" ظلت تواصل عملها في غزّة حيث كان الطلبة يتدرّبون في "مسرح المسحال" قبل أن يدمّره الاحتلال الإسرائيلي منذ ثلاث سنوات، وينتقل المتدربون إلى "مركز الشوا"، وهم الآن جميعاً نازحون في مدينة رفح، باستثناء متدرّبة لا تزال في غزّة بعدما فقدَت جميع أفراد عائلتها، وأخرجت زوجها من تحت الأنقاض حيث تحاول إجراء عملية جراحية له خارج غزّة، بينما تعمل بقية المجموعة بشكل يومي دون توقف في برنامج للعلاج النفسي عبر الدراما موجّه للأطفال في رفح.
يبيّن معلم أن "هذا العدوان مبيّت وكان مدروساً ومخططاً له، والهدف غير المعلن هو تدمير غزّة، وعلى المسرحيين رفع الصوت في مواجهة الإبادة"، مشيراً في هذا السياق إلى مشروع "مونولوغات غزّة" الذي أطلقته "عشتار" عام 2010، ويتم تقديمه منذ بدء الحرب على غزّة في عشرين لغة على مسارح العالم بمشاركة ما يزيد عن 3000 فنان حول العالم، كما يصدر قريباً في كتب بجميع هذه اللغات.
بين مدّ وجزْر
عند سؤاله عن حال المسرح الفلسطيني الذي يواجه منذ بداياته معوقات متعدّدة؛ سياسية واقتصادية واجتماعية، تعود جذورها إلى الاحتلال، يستعير معلم مقولة لفرانسوا أبو سالم بأن "المسرح لفلسطيني يمرّ دائماً في مدّ وجزر، ويعتمد أساساً على بعض الأشخاص المهتمين بنهضة المسرح وليس على مؤسّسات"، لافتاً إلى أن عام 1984 يمثّل نقطة تحوّل في هذا التاريخ مع تأسيس مسرح "نزهة الحكواتي".
لطالما اعتمد المسرح الفلسطيني على أشخاص وليس على مؤسسات
منذ تلك السنة، تمأسس المسرح الفلسطيني مع تخصيص مقرّ مجهز بالتقنيات وقاعة التدريب ومكاتب الإدارة قادر على استقبال عروض محلية وعالمية، كما استقبل فرق الهواة التي بدأت تنشط آنذاك في القدس وبيت لحم والخليل، وتشكّلت اثنا عشر فرقة بعد أن كان المسرح موسمياً وينتمي إلى حركات سياسية، وبرزت حركة مسرحية نشطة ونُظّمت عروض على مدار العام، ورغم المحاولات الدائمة لإغلاق مسرح "نزهة الحكواتي" إلا أنّه أنتج فرقاً جديدة وكرّس استمراريتها، بحسب معلّم، الذي يوضّح أن "عشتار" وُلدت في السياق نفسه.
ولم تأت هذه الانعطافة بيسر وسهولة، إذ يستذكر كيف كان "الحكواتي" ملاحقاً في أوروبا من قبل الحركات المؤيدة للصهيونية خلال عقْد الثمانينيات، فمُنع عرض مسرحية "ألف ليلة وليلة" في مدن فرنسية عدّة بسبب ضغوط من اللوبي الصهيوني خلال الانتخابات التي جرت عام 1982، وقبل ذلك في "مهرجان نانسي" سنة 1980، كانت تلك الحركات الصهيونية تقوم بشراء جميع تذاكر عرض "الحكواتي" حتى لا يأتي جمهور إليه، ولم تقيّد كل هذه الصعوبات نهضة المسرح الفلسطيني.
ويرى معلّم أن للمسرح رسالة وأن الثقافة توازي المقاومة المسلّحة، لذلك يحاول الاحتلال الإسرائيلي تكميم الأفواه، ويعيق قيام الفلسطينيّ بأيّ فعل ثقافي حضاري، لكن ما تمّ إنجازه اليوم مهم، حيث أصبحت هناك مؤسسات مسرحية في مدن فلسطينية وكوادر مدربة ونتاجات دائمة وعروض تُقدّم في المدارس والمخيمات مع ندرة قاعات عرض مخصصة، واستحق المسرحيون الفلسطينيون تكريمات وجوائز وتقدير، رغم وجود الاحتلال وعدم وجود دعم حكومي كافٍ، ويضاف إلى ذلك كلّه رفض المؤسسات الفلسطينية التمويل الغربي المشروط خلال السنوات الأخيرة، ملخصاً الحال بقوله "الجزْر فترة قصيرة ثم يتعافى الفنان الفلسطيني ويستعيد عطاءه". ويقترح دعم البلديات الفلسطينية للحركة المسرحية من خلال إنشاء قاعات مجهزة لتقديم عروض فنية ومسرحية، وهو مشروع يجب أن تتحمله السلطة الفلسطينية ورجال الأعمال من منطلق إيمانهم بالنضال الثقافي ضد الاحتلال، وأن المسرحيين هم سفراء حقيقيون من أجل الحرية والاستقلال.
مشروع اسمه عشتار
يصل معلّم في حديثه إلى "مسرح عشتار" الذي تأسّس في القدس المحتلة عام 1991، قبل أن ينتقل ويستقر في مدينة رام الله، ويلفت إلى أنه أُجبر على ترك القدس ولم يذهب مع فرانسوا أبو سالم الذي عرض عليه مرافقته إلى فرنسا، ومن هنا انطلقت فكرة "عشتار" كبرنامج تدريبي يمتد على مدار ثلاث سنوات موجّهاً لطلبة المدارس الثانوية في منطقتي القدس ورام الله، يعرض المشاركون فيه عملاً مسرحياً حِرفياً في صيف كلّ عام.
وفي عام 1997، بدأ تدريب معلّم وعون الخريجين على الارتجال مع خشيتهم حينها من عدم تفاعل الجمهور الفلسطيني الذي لم يتعود على ذلك، فأنتج "مسرح عشتار" أوّل مسرحية تفاعلية بعنوان "شؤون أبو شاكر"، قدمت ستين عرضاً شارك في تأديتها معلّم كجزء من عملية التدريب، وتناولت مشاكل الشباب الذين تحدثوا بدورهم عن همومهم وطموحاتهم، وفوجئ وقتها فريق المسرحية بكمٍ هائل من التفاعل من قبل الجمهور الذي أراد التعبير بحريّة عن نفسه، لأوّل مرة، على الخشبة، ليتشكّل حجر أساس لمسرح المضطهدين في فلسطين.
أضاءت أعمال مسرح المضطهدين الحياة اليومية للفلسطيني، وفي نهاية كل عرض كان يتمّ سؤال الجمهور ليقترح موضوع المسرحية القادمة، وبعد ذلك تطوّر هذا المسرح من خلال البحث الميداني، من أجل تقديم عملٍ مسرحي مجتمعي سياسي يتكئ على قصص حقيقية مأخوذة من الناس، وأخذ زخماً ومنح مؤسسيه دافعية للاستمرار.
ونظراً لوجود ثلاث أو أربع قاعات مجهّزة للعرض في فلسطين، واصل "عشتار" ما بدأه "الحكواتي" منذ نهاية السبعينيات، حيث توجه لتقديم عروضه في ساحات وحدائق ومقاهي ومدارس في مدن وقرى فلسطينية متخطياً الحواجز الإسرائيلية، لأن مسرح المضطهدين لا يحتاج إلى قاعات كبيرة ويمكنه أن يصل إلى الناس في أماكن وجودهم، ما يدفع الجمهور إلى الاهتمام أكثر بالمسرح.
يتطرّق معلّم إلى مسرحية "حكاية منى"، التي قدّمتها "عشتار" سنة 2005 ضمن تقنية المسرح التشريعي الذي يهدف إلى نقاش تشريعات جديدة، إذ عالجت قضية الزواج المبكر عبر عشرات العروض التي طالب خلالها الجمهور برفع سن الزواج في فلسطين إلى ثمانية عشر عاماً، وتمّ تضمين اقتراحاته في كتيب صغير، وكان يفترض تقديم العرض الأخير من المسرحية داخل مقرّ "المجلس التشريعي الفلسطيني" لكن اعتقال سلطات الاحتلال لمعظم أعضاء المجلس عام 2006 حال دون ذلك، ولا يزال مقترح مشروع قانون رفع سنّ الزواج الذي شاركت "عشتار" في تقديمه مع جمعيات نسائية فلسطينية قائماً.
ويرى أن مسرح المضطهدين ضرورة اجتماعية، تجسّدت بتدريب مسرحيين ومسرحيات عرضوا أعمالهم داخل قراهم ومدنهم، ومن خلال علاقته بالمسرحي البرازيلي أوغستو بوال (1931-2009)، الذي وضع أدبيات هذا المسرح، تم نقل كتابيه "ألعاب للمسرحيين وغير المسرحيين" و"المسرح التشريعي" للعربية، بترجمة وليد أبو بكر، ومراجعة إدوارد معلّم.
معلّم الذي نقل تجربته إلى بلدان عربية مثل العراق وتونس وقريباً في الأردن، يستشعر أهمية النتائج الملموسة في نهاية كلّ تدريب، حيث يسعى بجدّ إلى نشر تقنيات مسرح المضطهدين عربياً رغم إدراكه بأنّ هذا الشكل المسرحي محارَب من قبل الأنظمة العربية التي تفرض رقابتها على المسرح عموماً.
وحول الانتقادات التي توجه لمسرح "عشتار" بالتركيز على قضايا مثل الزواج المبكر والتحرش والتي يراها البعض منافية لـ"خصوصية المجتمع" و"العادات والتقاليد"، يشير معلّم إلى أن التجربة تقوم على مسارين؛ مسرح مجتمعي ومسرح احترافي، وأن الصراع مع العدو الإسرائيلي ظلّ القضية الأولى من خلال تقديم مسرحيات مثل "حجارة وبرتقال"، و"محكمة"، التي استعرضت نضال المزارع الفلسطيني في الأغوار ضد الاحتلال، وكذلك "محطة" التي تعالج المرحلة العالقة التي تورّط فيها الفلسطيني بعد "أوسلو" ولم يستطع الخروج منها، وأخيراً "بيت ياسمين" التي تهاجم التمويل الغربي المشروط، بموازاة تقديم مسرحيات تمسّ قضايا المجتمع، وتعرّضت لهجوم كبير لكن لم يمنع ذلك من استمرار عروضها بفعل دعم الجمهور الذي أجبر العديد من المعترضين على ترك قاعة العرض، وبالضرورة لدى مسرح المضطهَدين أعداء لكن المضطَهدين الذين يمثلّون أغلب الشعب الفلسطيني هم القادرون على مواجهة المضطهِدين.
ويلفت إلى أن التحدي الأكبر أمام مسرح المضطهَدين اليوم هو التيارات المتطرّفة التي لا يسعى إلى مواجهتها، إنّما لمواصلة العمل على قضايا تهمّ الناس، وإن لم تجد دعماً لها سواء من الشركات التي لا تهتمّ بدعم المسرح الجاد، أو من المؤسّسة الرسمية بسبب التغيرات الحكومية التي تجلب شخصيات لا صلة لها بالثقافة، خاصّة في ظلّ ما تواجهه المؤسّسات الثقافية الفلسطينية من تمويل مشروط حالياً، ما يضر بأحوال مسرحيين لا يعيشون إلا من هذه المهنة.
المهرجان كفضاء مسرحي
يحمل معلّم مفهوماً مغايراً للمهرجان المسرحي بدأه بـ"مهرجان مسرح المضطهَدين الدولي" عام 2007، قدّم خلاله أربع مسرحيات من إنتاج "عشتار"، واستضاف أيضاً فرقاً من إسبانيا وجنوب أفريقيا والبرازيل وبلجيكا للتعرّف إلى تجاربها خلال شهر ونصف، إلى جانب تنظيم جولات سياحية - سياسية لنقل وجهة النظر الفلسطينية حول الاحتلال وانتهاكاته من جدار الفصل العنصري والاستيطان والحواجز وغيرها، واستمر المهرجان لخمس دورات رغم صعوبات الدعم، ما تسبب بإيقافه أخيراً، لكنه استطاع خلق شراكات حقيقية مع مسرحيّين، ومن أمثلتها تقديم مخرج إسباني شارك في الدورة الأولى مسرحية حول جدار الفصل بعد عودته إلى بلاده. وعلى المنوال نفسه، تمّ تأسيس "مهرجان عشتار لمسرح الشباب" الذي يقام مرّة كل سنتين، بهدف إعادة تقديم البرنامج الصيفي المكثف لطلبة "عشتار" بشكل مختلف من خلال ورشات عمل متخصصة تتواصل على مدار أيام المهرجان العشرة وتنتهي بإنتاج عمل مسرحي يشارك فيه جميع الطلاب المحليين والأجانب المشاركين في المهرجان، لافتاً إلى أن الدورة السابعة من المهرجان لن تقام في فلسطين خلال تموز/ يوليو المقبل بسبب ظروف العدوان، حيث تستضيفه مدينة أكسفورد البريطانية، وتشارك "عشتار" بواحدٍ من عروضها.
من الدائرة إلى الفراغ
يهتمّ معلّم وعون بشكل أساسي بتأليف مساقات لتدريس المسرح، في التفاتة للفجوة المعرفية التي تعاني منها المكتبة الفلسطينية والعربية على هذ المستوى، حيث أصدرا كتاباً بعنوان "من الدائرة إلى الفراغ، رحلة نحو الإبداع"، اعتمد منهاجاً في العديد من المدارس بفلسطين والأردن، مشتملاً على تمارين المسرحية، من لحظة التعرّف إلى الجسد عند إعداده لممارستها، عن طريق إحمائه، حتى اللحظة التي يتحوّل فيها إلى أداة طيّعة بين يدي صاحبه، ويعمل على التوصل إلى مشهد تقوم عليه في الأساس العروض المسرحية، وتضمّن هذا الدليل التدريبي تنويعاً في المصادر والتجارب والخبرات لدى المؤلفيْن. كما جمَع معلّم بمبادرة شخصية أربعة نصوص كان قد قدّمها "مسرح الحكواتي" في كتابٍ، بهدف توثيق نصوص بارزة في تاريخ الحركة المسرحية الفلسطينية يُخشى من فقدانها، متنبّهاً إلى أن هذه النصوص لا يجدها الباحثون في مجال المسرح إلا لدى مكتبات الاحتلال، بالإضافة إلى جمعه نصوصاً قدّمها "مسرح عشتار" في كتاب "مسرحيات منبرية" ضمّ أربعة وعشرين نصاً.
هاجسٌ وحيد يشغل إدوارد معلّم وإيمان عون هو المسرح الذي يعني بالنسبة إليهما فضاءً واسعاً منفتحاً على التمثيل والإخراج والتدريب والتنظير والتأليف وتنظيم التظاهرات المسرحية، من خلال تحقيق حلمهما في إنشاء مشروع تدريبي جديد في الغور الفلسطيني، يمتد على مدار عامين بالشراكة مع مدرسة سيرك فلسطين وبلدية أريحا يجمع بين المسرح والسيرك. ويجري البحث حالياً عن قطعة أرض في مدينة أريحا لتحقيق هذا الحلم في تأسيس "القرية الفنية"، ومركز لإقامات فنية لمسرحيين من فلسطين والعالم.