لا يستطيع الإنسان الفلسطيني اليوم أن ينجو بنفسه، لأنه لا يستطيع النجاة بمفرده. النجاة الوحيدة الممكنة هي نجاة الكل وتحرير البلاد وتحقيق السيادة، ليستتب الأمن، ويتحقق الاستقرار، فتُحفظ للفلسطيني روحه، ويُتاح له الوجود والبناء والتطور.
كلّ الفلسطينيّين اليوم هُم في مرمى الاحتلال، لا يُوجد حتى درجات لقوّة ضرباته، هُم ببساطة وبمجموعهم تحت ضرب طائراته أو بين أيدي مستوطنيه، سواءً الفاسد منهم الذي يحمل بطاقات "الفي أي بي"، ويستطيع أن يعبر بسياراته حدود البلاد والحواجز بين المدن، أو الغني الملياردير الذي جمع أمواله بكدّه وجهده، أو المتعلّم المثقّف صاحب الشهادات العليا، أو من يملك أكثر من جواز سفر ويُكثر التنقل بين البلدان.
هذا العدوّ لا يكترث بأحد منّا، ولا يريد سوى طردنا أجمعين
كلّ هؤلاء لا يختلف مصيرهم عن مصير العمّال الذين اضطرّتهم الحاجة للعمل لدى المحتلّين، أو الفقراء المعدمين، أو أصحاب الوظائف الصغيرة التي تضيع رواتبها مع أول "قلقة" صغيرة في المنطقة. كلّ هؤلاء، كلهم بلا استثناء، سواءً أخلصوا لقضيتهم أم خانوها، سواءً كانوا أنانيين لا يهتمون إلا بأنفسهم أم كانوا وطنيين حريصين على خلاص الشعب كلّه، كلهم كلهم لا يفرق الاحتلال بين أحد منهم، حين تُكسر صورته الاستعمارية يقرّر دون تفكير أو وعي أن يضرب بقوّته العسكرية المدعومة من الخارج، المغسولة بالكذب والتلفيق، يضرب بها كل الناس، بل إنه مستعد لأن يضحي بمن يسمّيهم رعاياه، بل وحتى بمستوطنيه أنفسهم.
هذا العدوّ لا يكترث بأحد منّا، ولا يريد سوى طردنا أجمعين من ديارنا، المعدم الذي يعيش بالإيجار في بلدة قديمة، ولا يملك مدّخرات، والغني الذي له ولبنيه سبعة منازل موزّعة على أطراف المدينة، يتساوون جميعاً، ويصبحون كلّهم في مهب الريح.
لا يُراد من هذا الكلام تكذيب حقيقة أن الفئات الأضعف والأقل حظاً هي بالضرورة الأقرب إلى مزيد من المعاناة والتشرد والجوع، هذا أمر مفروغ منه، وهم الفئة التي تستلزم الدعم الفوري والجهد والمثابرة للتثبيت، لكن الخلاصة أنه لا يوجد مهرب "فردي"؛ فإمّا أن ننجو جميعاً أو نضيع جميعاً.
هذا ليس موقفاً أخلاقياً، بل هو تحليل واقعي، نرى ترجمته منذ أن وقعت أرضنا في هذه الظلمات. لقد حاول كثيرون، وبشتى الطرق، وهم معذورون لا شك، بل هم محقون في محاولتهم، فكل فلسطيني عليه أن يفكر كيف ينجو بنفسه ويهيّئ لها ولأهله الظروف للنجاة والاستمرار. لكن هذه المحاولات تُثبت أنها غير مجدية، ما دامت فلسطين محتلّة، وما دام الشعب الفلسطيني لم يحظَ بكلّيته بالحرية والاستقلال، فحين يوقع الاحتلال عدوانه من جديد، لا مهرب لأحد، سواءً المحتمي بفصيله السياسي، أو بعشيرته الكبيرة، أو بماله الواسع، أو بعلاقاته الخارجية، كلّهم يَطالهم التشريد والتقتيل والضياع. لذا فالحلّ الوحيد أن ننجو جميعاً!
* كاتب من فلسطين