"أمّا بعد" لهدير عمر: انفعالات ضوئية في قلعة الكوت

05 ابريل 2023
جانب من عمل الفنانة المعروض في قلعة الكوت
+ الخط -

تتحوّل قلعة الكوت التاريخية، الواقعة في سوق واقف بالدوحة، إلى مسرح من الانفعالات الضوئية والصور والموسيقى لخوض تجربة دخول المُشاهد إلى ذاته، في اللحظة نفسها التي يجول فيها داخل قلعةٍ كانت سجناً في مطلع القرن الماضي.

بين أرجاء القلعة المربّعة ــ كلّ ضلع فيها يمتدّ 35 متراً ــ جاءت تجربة الفنّانة المصرية هدير عمر بعنوان "أمّا بعد"، ضمن "مهرجان قطر للصورة: تصوير" في دورته لعام 2023، الذي انطلق في منتصفَ آذار/ مارس المنقضي ويستمر حتى 20 أيار/ مايو المقبل، حيث أعدت الفنانة المصرية عملها بالتعاون مع "سونك جيل"، وهي مجموعة فنّية تعمل على وسائط هجينة، باستخدام تقنيات حاسوبية وآلات موسيقية غير تقليدية.

عبر وسائط حديثة، يستلهم العرض عناصر سوق واقف بوصفه المكان الأشدّ ازدحاماً في الدوحة، من خلال ثلاثة فضاءات مركزية في القلعة: "الانتقال" (ساحة القلعة)، و"الرحلة" (الغرف الخلفية)، و"التحوُّل" (المدخل). ويمكن للمشاهد أن يبدأ من أي واحدٍ من هذه الأمكنة، حيث لا يستحوذ التسلسل الزمني على دور مهمّ، كما أنّ هناك مرشدين يقترحون على الزوّار دخول فناء القلعة والبحث عن الغرفتين واختتام الجولة بالمدخل.

تعيد من خلال الموسيقى بناء علاقة جديدة بالمكان الذي كان سجناً

وبينما لا يقدّم الفناء المفروش بالرمل لمحات بصرية تخصّ الفنانة، فإن سيطرة الموسيقى هي التي تجعل فناء السجن السابق أساس علاقة جديدة مع المكان، حيث الأسوار الأربعة تحيط بالزائر وتعتمرها أبراج مراقبة وفوقها السماء. وهي ليست موسيقى لحنية، إنما خليطٌ من جلبة سوق واقف معجونة بتركيبات صوتية كأنها من الطبيعة البدائية قبل أن تمتدّ لها يد بشرية.

هذا البرزخ الصوتي يفضي إلى غرفتين متباعدتين من السجن السابق، وتتميّزان بالأضوية التي تمثّل "الرحلة"، وفيهما تبرز أشكال غير واضحة، مثل فيلم قديم أُعيدَ ترميمُه.

يظهر الحمّالون وهم يدفعون عرباتهم بين متاجر بيع الطيور، متاجر العباءات، وسوق الذهب، وأسواق التوابل العطرية، وإيقاع المقايضة في السوق والتجارة والتسوق لدى أهل البلد والجاليات والسائحين على حدّ سواء. بينما في غرفة أخرى نُتابع مقاطع الفيديو وهي تُولّد تجربة متجددة دوماً، تتبدّل مع مرور الزمن، بحيث تخلق إسقاطات الفيديو والمقاطع الصوتية حسّاً غير متكرّر.

يأتي الانتقال من غرفة إلى أخرى ليبدّل الأحاسيس المتولّدة لدى الزائر ويجعله ينخرط في حالة ذهنية محيّرة يختبر فيها طيفاً من المشاعر الغريبة، ويرى فيها الأشياء مقلوبة رأساً على عقب، أو متوهّجة بألوان أحادية، وهو ما يسمح لعقل الإنسان بأن يُشكّل روابط بديلة مع هذه المشاهد المألوفة، الأمر الذي يخلق انطباعاً غير خطّي للزمان والمكان.

عند المدخل الذي تُختتم فيه الرحلة، بضعُ غرف صغيرة تنفتح بعضها على بعض، وتبني الفنّانة الأجواء الختامية على موسيقى تتخلّلها أصواتُ دلف الماء، وهي أكثر الأماكن الثلاثة دعوةً لاختبار الوحدة.

 

المساهمون