عام 2010 أنجز التشكيلي والنحّات اللّبناني شوقي شوكيني (1946) منحوتتَه البرونزية "أمير غزّة الصغير"، التي تمتاز بِسَمتها التكعيبي وعينها المُربَّعة كنافذة يُطَلُّ منها على الواقع، وبارتفاعٍ يبلغ 118 سم. هذا العمل هو النقطة المركزية التي ينطلق منها معرضٌ يحمل الاسم نفسه، افتُتح في العشرين من كانون الأول/ ديسمبر الجاري، في "مؤسّسة رمزي وسائدة دلّول للفنون" ببيروت (DAF)، بالشراكة مع "المتحف الفلسطيني" في بيرزيت، ويتواصل حتى الخامس عشر من شباط/ فبراير 2024.
يُضيء المعرض جوانب مُختلفة من القضية الفلسطينية عموماً، لكنّ رمزية الأطفال وكذلك الفِتيان تبقى هي الأساس، فهو تحيّة وتذكار لأرواح أكثر من ثمانية آلاف منهم، استشهدوا، حتى الآن، منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزّة، في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. ورغم أنّ هذا الأمير الغزّي قد بلغ من العمر، اليومَ، ثلاثة عشر عاماً، وأنّ الاشتغال عليه جاء تأثُّراً بعدوان 2008 - 2009، لكنّ الواقع أمام عينه المفتوحة على صدمة الإبادات الصهيونية المُتكرّرة، ما زال قائماً، بل ازداد وحشيةً.
تحيّة وتذكار لأرواح أكثر من ثمانية آلاف طفل استشهدوا حتى الآن
وحسب البيان التقديمي للمُنظِّمين، فإنّ العنوان يُحيلُ بشكل أو بآخر إلى التناقُض بين العوالِم؛ حيث يبدأ ممَّا يفصل عالَم الكبار عن آخر يخصُّ الصغار، ويمتدّ ليشملَ "العين" التي ينظرُ كلٌّ منهما عبرها إلى الواقع، ثم ينتهي عند ثُنائية أعمق، يجسِّدها كلٌّ من "أمير" الكاتب الفرنسي أنطوان دو سانت إكزوبيري، و"أمير" المُنظِّر الإيطالي نيكولو ماكيافيللي، الأوّل بسحريّته الفِطرية وطيرانه فوق العالَم القائم، والثاني ببراغماتيّته وغائيّته التي تُبرّر الوسائل القذرة، التي يُمثِّلها تيّار الواقعية السياسية في الغرب، المُنحاز لآلة القتل الإسرائيلية وهي تُنجز مهمّتها بـ"الدفاع عن نفسها".
التأمّل كموقف من الوجود حاضرٌ بقوّة في العمل، وهذا يُعيدنا للنظر في خلفيّة شوكيني المتأثّرة بفلسفة "الزّن"، والتي راحت تترك بصمتها على أعماله منذ الثمانينيات عندما كان مُقيماً في اليابان. صحيحٌ أن هذا الأمير لا يتّخذ وضعيّة الجلوس الأثيرة في طقس "الزّن" التأمّلي، إلّا أنّ انتصابه بجذعه فقط، دون أطرافه، وبزوايا دقيقة ولكنّها غير نافرة، لا يخلو من دعوة للاندماج بالطبيعة أو "إعادة ترتيب التكوين" (عنوان لأحد أعماله)، كما يُذكّر أيضاً باشتغالات شوكيني التي تتراكب قطعُها في توازُن معماري.
إلى جانب "أمير غزّة الصغير" يحتوي المعرض أعمالاً أُخرى، لفنّانين من لبنان وفلسطين وسورية والعراق ومصر والمغرب، مثل "المُلثّم" لأيمن بعلبكي، وهي اللّوحة التي سحبتها "دار كريستيز" من مزاد كان مُقرّراً في التاسع من الشهر الماضي، و"من تلّ الزعتر" لإسماعيل شمّوط، و"درس في الطيران" لهاني زعرب، و"طفل من غزّة" ليوسف عبدلكي، و"سوف نعود" لعماد أبو اشتية، و"سماء غزّة" لليلى الشوّا، و"مقدّمة النشيد الجسدي" لضياء عزّاوي، و"عائلة من بيت لحم" لنبيل عناني. بالإضافة لأعمال أُخرى وقّعها كلٌّ من: بشار الحروب، وعامر شوملي، وخليل رباح، وعاصم أبو شقرة، وجومانة الحسيني، وعبد الحي زرارة، وعبد الرحمن المزين، وسميرة بدران، ونذير نبعة، وعبد عابدي، وأحمد كنعان، وفلاديمير تماري، وشادي الزقزوق، وسمير رافع، وتيسير بركات، وبشير مخول، وسليمان منصور، ومحمد أرجدال.