- يسلط الضوء على قصص مثل النساء البوسنيات الباحثات عن رفات أحبائهن، مبرزًا كيف يمكن للحب أن يزدهر في أقسى الظروف وأهمية التوثيق الإنساني للأحداث كمرجعية للمستقبل.
- يناقش تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على العلاقات خلال الأزمات ويؤكد على الحاجة للتواصل الأعمق والدور الإنساني للمهنيين مثل صحافيي غزة، مشيرًا إلى الآثار النفسية الطويلة الأمد لتجاربهم.
"الحبّ والحرب والحكاية" عنوان الندوة التي نظَّمها "منتدى حرمون الثقافي" في إسطنبول مساء السبت الماضي، حيث استضافت فيها الإعلامية ومديرة المنتدى أسماء صائب أفندي، الصحافيَّ وصانع الأفلام الوثائقية المصري أسعد طه (1956)، الذي تحدّث مازجاً مجموعة من القِصَص والحكايا الإنسانية التي استوقفته خلال مسيرة أكثر من أربعة عقود في العمل على تغطية الحروب واستكشاف عادات وطبائع الشعوب.
من نيكاراغوا إلى البوسنة
بدأ أسعد طه حديثه باستذكار لقائه عام 2007 بالشاعر والقسّ والنحَّات النيكاراغوي الراحل إرنيستو كاردينال (1925 - 2020)، الذي عاش حياةً ثوريّة وانضمّ إلى الجبهة السندينية التي قادت الثورة في البلاد عام 1979. لكن أمام كل هذا التاريخ الذي يستند إليه الرجل، آثَر طه، كما أوضح في الندوة، أن يسأله عن قصّة حُبِّه الأول التي وقعت قبل ستّين عاماً من تاريخ اللقاء وكتب فيها القصائد، دوناً عن غيرها من الوقائع الأُخرى التي كان شاهداً عليها، وفوجئ بـ"أنّ إجابة كاردينال جاءت حاضرة على الفور، وكأنّ الحدث الذي يستحضره قد وقع قريباً ولم تمرّ عليه السُّنون".
لا بدّ للصحافة من قيمة إنسانية وهذا ما يمثّله إعلاميّو غزّة اليوم
مثالٌ ثانٍ طرحَهُ أسعد طه في حديثه حول جدليّة الحبّ والحرب؛ مفادُه أنّ ثلاثين امرأة بوسنيّة تمّ نقلُهنَّ عبر حافلة إلى مقبرة جماعيّة، إبّان الإبادة الصربية في التسعينيات، للتعرُّف إلى رُفات أزواجهنَّ وأبنائهنَّ. وأنّه على مدى ساعات ظلّ محشوراً معهنّ في هذه الحافلة، وحين وصلنَ، راح يُراقبهنّ وهنّ يُنقِّبنَ عن أثَر ولو صغيراً يتعلّق بأحبابهنَّ "كانت حالُ من تجسد قطعة قماش صغيرة أو ما شابه أفضل ممّن لا تجدُ شيئاً". من هنا، وفقاً لطه، "تنبع قوّة الحكاية في التوثيق للحدث بصورة غير مباشرة مهما طال الزمن. في حين تبقى الخُلاصة من كلّ هذه الرحلات أنّ أحلى ما في الحياة هو الحبّ، وأسوأ ما فيها هي الحرب. دون أن ننسى الحالة المُفارِقة التي يخلقها الحبّ والحرب، بمعنى أن حاجة الناس إلى الأول تزداد في أشدّ ظروف الثانية قسوة".
التوثيق كمرجعية للمستقبل
ونبّه أسعد طه، صاحب "يُحكى أنّ" (برنامج من إنتاج "الجزيرة")، إلى أنّه يجب علينا اليوم، في ظلّ العُدوان الإبادي على غزّة، "أن نهتمّ بالتوثيق، لأنه يخلق مرجعيّة في المستقبل". لافتاً إلى مدى التأثير الذي خلقته الأفلام والسينما التي تناولت المحرقة عبر عقود. كما بيّن في حديثه إلى الفرق بين الخبر الصحافي والحكاية الإنسانية، فصحيح "أنّ الناس هُم الناس بغضّ النظر عن المكان الموجودين فيه، لكنّه لا يُمكن للأخبار أن تصل من غير حكاية، فالأخيرة أبعد بكثير من الطابع اليوميّ للخبر".
وعن رحلته إلى البوسنة واستقراره فيها إلى اليوم، تحدّث الصحافي المصري أنه ذهب إليها في مطلع التسعينيات أي قبل أن تقع الحرب، وهناك وقَع بحُبّ هذا البلد "نحن نقع في حبّ الأماكن كما الأشخاص تماماً". ورغم تنقُّله في أكثر من 60 بلداً بعدها، إلّا أنّ مفهوم الحكاية عنده ظلّ مُرتبطاً بالعَيش في البوسنة.
وبالعودة إلى الراهن وسؤال الحبّ في زمن وسائل التواصل الاجتماعي، أجاب: "خلقت هذه الوسائل تواصلاً مباشراً مع الناس، أصبحنا أمام جوّ جديد بدون مقدّمات، لكنّ هذا التطوّر حصل في ظرف سياسي صعب بالنسبة للشباب العربي، حيث يحتاجون فيه بالفعل إلى نوع من التواصل الأعمق".
وختَم أسعد طه: "لا يُمكن للمهنيّ أن يقتصر دوره على هذا الجانب فقط، إذ غالباً ما يكون هناك دور إنسانيّ لأيّة مهنة. وهذا ما نُلاحظه اليوم مع صحافيِّي غزّة، الذين نراهم يتمتّعون برباطة جأش عزّ نظيرُها، مع ذلك يبقى القلق والتعب الحقيقي قائمَين في المستقبل ومن اضطرابات ما بعد الصدمة اللّاحقة التي تنجم عمّا تعرّضوا إليه من هول الإبادة".