على الرغم من أنّ موجات جائحة كورونا قد انحسرت، ولم تعُد تشكِّل تهديداً عامّاً، كما كان عليه الحال في لحظات التفشّي الأُولى، أي عام 2020 وما تلاه، فإنّ الأدب، بوصفه تفاعُلاً إنسانياً دائماً مع المُحيط بما فيه من تغيُّرات بيئية أو كوارث صحية، ما زال ينشغل بتفاصيل ما عانته البشرية خلال السنوات الماضية، وكيف تمكَّن فيروس كوفيد - 19 من قلْب الحياة اليومية وفرض أنماط جديدة على البشر.
ضمن هذا الإطار، ينعقد، في الأول والثاني من تمّوز/ يوليو المُقبل، مؤتمرٌ يحمل عنوان "أدب الطاعون: الكتابة الوبائية، والخوف من كوفيد - 19"، الذي ينظّمه "المركز الديمقراطي العربي" في برلين، بالتعاون مع "جامعة بنغازي"، وتُقام أشغالُه باللغة الإنكليزية عبر الإنترنت، بمشاركة أكثر من 25 باحثةً وباحثاً من أكاديميات ومؤسّسات بحثيّة مُختلفة؛ من الجزائر وتركيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتّحدة ورومانيا وبولندا وهنغاريا.
يتناول الباحثون في مساهماتهم علاقةَ الأدب بـ الأمراض السارية والمُعدِية عبر التاريخ، التي سبقت في ظهورها وباء كورونا، بما في ذلك الجُدري، والتيفوس، والإنفلونزا الإسبانية وغيرها. كذلك، تُراجِع الأوراق المُقدَّمة عدّة نُصوصٍ اشتبكت مع الأوبئة، بداية من كتابات ثوسيديدس الأثينيّ الذي وصف طاعون أثينا (429 - 426 قبل الميلاد)، في كتابه "تاريخ الحرب البيلوبونيسية"، وصولاً إلى الفرنسي ألبير كامو في روايته "الطاعون" (1947). على أن ينتقل الباحثون، بعد تلك المقدَّمات، إلى تساؤل آخر، يبدو أكثر راهنية، خصوصاً بعد انحسار الجائحة: ماذا عن إمكانية انتفاء الوباء؟ وما موقف الأدب، مرّة أُخرى، من هذه الحالة النقيضة؟
هل تُتيح لحظة انحسار الوباء تأمّلاً أعمق للكتابة عنه؟
من المتون التي يقرأ فيها المشاركون: "مذكرات عن عام الطاعون" (1722) لدانييل ديفو، الذي تناول فيه طاعون مرسيليا العظيم، الذي وقع عام 1720، وحصد أرواح ما يقرب من 100 ألف إنسان، و"الرجل الأخير" (1826) لماري شيلي، وقصّة "قناع الموت الأحمر" (1842) لإدغار ألن بو، التي استعار فيها الكاتب الأميركي تقنيات الأدب القوطي، و"الحبّ في زمن الكوليرا" (1985) لغابرييل غارسيا ماركيز. إلى جانب ما سبق، تشغل مسألةُ استخلاص العلاقة بين روايات الطاعون في الأدب الحديث، ومفهوم نهاية العالَم، كما ورد في تقاليد وثقافات شعبية مختلفة، جزءاً أساسياً من الأوراق المُقدَّمة.
وبما أنّ المؤتمر ينعقد في لحظة انحسار الوباء، فإنّه، حسب المُنظِّمين، يولي أهمّية خاصة للنظر في ثنائيات مثل الحياة والموت، وما قبل كورونا وما بعدها، والعلاج والشفاء، وكذلك دور المعتقدات الشخصية في تقبُّل فكرة الموت.
الجدير بالذِّكر أنّ المساهَمات المُقرّر بحثُها تنقسم إلى عدّة محاور، منها: "العواقب الاجتماعية والسياسية للأوبئة"، و"تأثير الوباء على الثقافة الشعبية"، و"الطاعون والتحليل النفسي"، و"الزومبي" (الموتى السائرون)، و"استعارة الجسد"، و"الأدب المُستقبلي والوعد باللّقاح".