استمع إلى الملخص
- وُلد في الشنافية عام 1943 وتأثر بالشاعر مظفر النواب، وبدأ مسيرته الأدبية في الستينيات بنشر قصص قصيرة مثل "وثيقة الصمت"، محققًا إشادة نقدية.
- نشر أكثر من 25 كتابًا بين الرواية والقصة والسيرة، وشارك في تحرير كتب نقدية، مع تزايد إنتاجه الأدبي في العقد الأخير من القرن الماضي.
في أحد اللقاءات التلفزيونية التي أُجريت معه، يتحدّث القاصّ والروائي والصحافي العراقي أحمد خلف، الذي رحل عن عالمنا أمس الاثنين في بغداد بعد مسيرة أدبية حافلة، عن روايته "الحُلم العظيم" (2009) لافتاً إلى الدافع الذي انطلق منه فيها، والمتمثّل في دعوة للإنسان إلى أن يحلم، فالكثير من الأحلام، على حدّ قوله، تتحقّق بالفعل، ومن ثم يجب عدم الاستهانة بالحُلم، أمّا العظَمة فتتأتى من تعزيز إمكانية الحُلم. بعدها انتقل الراحل إلى الحديث عن مفهوم "موت الأب"، ويقرنه بالوطن وبلحظاتٍ فارقة يعيشها، في قراءة تُحيل إلى أجواء جيل الستينيّات من الكتّاب العراقيين الذي انتمى صاحب "الرواق الطويل" إليه.
وُلِد الراحل في ناحية الشنافية إحدى نواحي محافظة الديوانية عام 1943، وتدرّج في تعليمه الرسمي، وشكّل لقاؤه حين كان في المرحلة المتوسطة بأستاذ اللغة العربية، الشاعر مظفّر النواب، الحدثَ الفارق في حياته كلّها لا بتلك المرحلة فحسب، حيث نراه يستذكره في أكثر من لقاء عارضاً حكايته الأولى مع القصة القصيرة، وكيف التقطَ النواب ما كتبه وميّزه من بين أوراق الطلّاب الآخرين، متنبّئاً له بمستقبل أدبي مُهمّ، قبل أن تتطوّر تلك العلاقة من "طالب وأستاذ" إلى صداقة أدبية وشخصية مديدة.
كان عقْدُ الستينيات في حياة أحمد خلف، محطّة تأسيسية أولى، التزم فيها ملامح مُجايليه، فنشَر قصته القصيرة الأولى "وثيقة الصمت" عام 1966 في ملحق صحيفة "الجمهورية"، ثمّ أتبعها بعد ثلاث سنوات بقصة أُخرى عنوَنَها بـ"خُوذة لرجل نصف ميت" التي أشاد بها كتّاب ونقاد مثل غسان كنفاني ومحمد دكروب، وقد كشفت هاتان القصّتان عن عناصر رؤيته الإبداعية المتأثّرة بطبيعة الحال بأفكار ذلك العَقد الطليعي، مع ذلك لم ترَ مجموعته القصصية الأولى "شوارع مهجورة" النورَ حتى عام 1974، ولاحقاً في العقد نفسه نشَر مجموعةً ثانية بعنوان "منزل العرائس" (1978).
نشر أكثر من 25 كتاباً توزّعت بين الرواية والقصة والسيرة
اكتفى الراحل من ذينك العقدَين بعناوين معدودة، لكنّ الحال في الثمانينيات بدت أغزر مع نشره روايته الأولى التي حملت عنوان "الخراب الجميل" (1981)، وتلتها روايةٌ أُخرى بعنوان "القادم البعيد" عام 1986، ومجموعة قصصية بعنوان "الحدّ الفاصل" (1986)، كما شارك في تحرير كتاب نقدي بعنوان "دراسات في القصة القصيرة والرواية 1980 - 1985" بصُحبة الروائي والناقد العراقي عائد خصباك. وبالتوازي مع هذا، كان أحمد خلف قد بدأ عام 1985 مسيرته المهنية بالعمل صحافياً ثقافياً في "مجلّة الأقلام"، ومن ثم أصبح محرّراً ثقافياً بدرجة سكرتير تحرير.
ومع الوصول إلى العقد الأخير من القرن الماضي، نجد أن وتيرة النشر لدى الراحل أحمد خلف أخذت تتسارع مع ثلاث إصدارات بارزة: "صراخ في علبة" (رواية و7 قصص قصيرة، 1991)، ومجموعتَي: "خريف البلدة" (1995)، و"في ظلال المشكينو" (1997)، وهذه الأعوام ستكون أشبه بختام لمرحلة امتدّت منذ الستينيات ولها طابعُها الكتابي الخاص، لتُمهِّد لمرحلة جديدة عند القاصّ والصحافي العراقي ستشغل رُبع القرن الأول من الألفية الجديدة.
"تيمور الحزين" عنوان المجموعة القصصية التي صدرت للقاصّ والروائي الراحل عام 2000، وتحتوي على ثماني قصص ورواية قصيرة أعطت المجموعة اسمها. والقصص تتحدّث عن حالة الفُقدان والهجران التي مرّت على العديد من الشباب في العراق الذين كانوا يعانون عُسر الحياة اليومية القاهرة خلال الثمانينيات والتسعينيات، أما الرواية القصيرة فتتحدث عن بطولة الإنسان الذي لا يؤمن بالحرب، بل يستطيع أن يُجيد الدفاع عن نفسه وهويته الاجتماعية بطُرق في غاية الذكاء والفِطنة بحيث يتغلب على الصعاب.
أمّا في روايته "بوّابة بغداد" (2001) فنرى خلف يحكي سيرته الذاتية التي هي صورة مُصغّرة لسيرة مجتمعٍ عاش ويلات حرب الخليج الأولى سنة 1991، وكذلك رواية أُخرى بعنوان "موت الأب" (2002) التي تتناول حقبة اجتماعية من تاريخ العراق تمتدّ من ستينيات القرن العشرين إلى مطلع الألفية الثالثة، بينما اتخذت رواية "حامل الهوى" (2005) منحىً يُعرف بـ"الرواية النفسية"، والتي قرأ من خلالها تشظّيات المجتمع واحتكام أفراده لِقَلَقِ الهواجس والرغبات والأفكار. كما نجده يعود في روايته "الحُلم العظيم" (2009) إلى منتصف السبعينيات ليروي قصة مجموعة من الشباب الثوريّين يخطّطون لإسقاط السلطة السياسية لكنّ ثورتهم تفشل فشلاً ذريعاً ويدفع كلّ واحد منهم ثمناً باهظاً من حياته. في حين سيكتفي خلال هذا العقد بمجموعة قصصية واحدة هي "مطر في آخر الليل" كانت قد صدرت عام 2002.
وكذلك الحال مع الخمسة عشر عاماً الأخيرة من حياة الراحل أحمد خلف، إذ يُلاحَظ فيها أن كفّة الروايات قد رجحت على القصة القصيرة التي انطلق منها. فحيث تُطالعنا خمسة عناوين مع الرواية: "محنة فينوس" (2010)، و"تسارُع الخطى" (2014) التي تجمع بين البُعدين التسجيلي والتاريخي، و"نحو نار أفضل" (2015)، و"عن الأوّلين والآخرين" (2016)، و"الذئاب على الأبواب" (2018)، نجد في المقابل مع القصة: "عصا الجنون" (2015) العمل الأكبر من بين مجموعاته القصصية، حيث جمع فيها اثنتين وعشرين قصة قصيرة مع سبع قصص قصيرة جداً، و"نزهة في شوارع مهجورة" (2020) لتكون أول إصدار ضمن مشروع الأعمال الكاملة للكاتب، والذي تضمّن أيضاً رواية "البهلوان" وكتاب "تحولات أنكيدو".
خارج إطار القصة والرواية، صدر للراحل كتابٌ بعنوان "الرواق الطويل: في السيرة الثقافية" (2012) وفيه يسترجع خلف ذكرياته، ويكتبها بين سنتي 2003 - 2006 في نصوص متنوعة تناولت العديد من القضايا الأدبية في الساحة الثقافية العراقية، منذ ستينيات القرن الماضي حتى 2006.