"معرض النحت العراقي": برونز وحديد وحجر ومواد مهملة

26 أكتوبر 2022
جزء من عمل لعادل رشيد (من المعرض)
+ الخط -

في المعرض السنوي الذي تُقيمه "جمعية الفنّانين التشكيليّين العراقيّين" في بغداد، والذي انطلق في الخامس عشر من الشهر الجاري ويستمرّ حتى التاسع عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر المُقبل لم تُغادر الأعمال النحتية منطقة الواقع العراقي الذي تشكَّلت منه، وما يحيط به من قضايا لها دَورها في التأثير على توجُّه الفنان وتحييده صوبها؛ حيث عبّرت المشاركات التي بلغت سبعين عملاً، بمجملِها، عن الراهن الذي تشهده البلاد، ليُمثّل كلّ عمل صورة عن الواقع المأزوم، برؤىً واقعية ورمزية.

يحضر الواقع الاجتماعي والسياسي في تمثُّلات الأعمال الفنّية؛ فالعديد من الأعمال المُشاركة اختَصرت بواقعيةٍ فكرتَها عن الحرب والسلاح، وآثارهما الهدّامة على حياة الفرد الأعزل، وهي التجربة التي ظلّت تُلازم الإنسان العراقي منذ الغزو الأميركي عام 2003 وحتى اللحظة الراهنة، في مشهد لم يُفارقه حتّى صار جزءاً من حياته وتفاصيل يومه، وذلك ما تجلّى في عمل الفنّان وسام الدبوني.

الصورة
معرض النحت العراقي - القسم الثقافي
(من المعرض)

تتناول أعمالٌ أُخرى، برمزيتها، مسألة الفرد الذي يبدو وحده في مواجهة العصف السياسي والثقافي وصدمات المجتمع وفقدان الهوية، وعجزه عن بناء ذاته، وتشظّيه، حتى يكاد يصل إلى مرحلة المحو الكامل، وهو ما قاربته العديد من الأعمال التي قدّمت صورةً عن الكائن المُتهالك والمشوَّه، والذي لا انتماء له، كما في عملَي علاء العذاري ومنذر علي.

فردٌ يبدو وحده في مواجهة العصف السياسي وعجزه عن بناء ذاته

لم يخلُ المعرض من أعمال ركّزت على المرأة بتكوينها الجسدي، في إحالة إلى الرؤية القاصرة تجاهها وحصر وجودها في زوايا معيّنة، ومحو ما يكون خلاف ذلك. ظلّ سؤالُ الجسد حاضراً في العديد من الأعمال المشارِكة، وتناوَله النحّاتون بأكثر من رؤية، سواءٌ بصفته الفرديّة أو مع الجماعة، وهو ما نجده في أعمال فارس النّحات وسمرقند الجابري وزهراء حسن. وإلى جانب ذلك، حملت بعض الأعمال مسحةً من التراث العربي بالامتزاج مع مناخ اللحظة المتقلّب، كما هو الحال مع الفارس وجواده ورايته في عمل الفنان محمد المطلبي، والذي لا تبدو عليه سوى الرغبة في إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

الصورة
محمد المطلبي - القسم الثقافي
عمل لمحمد المطلبي (من المعرض)

يُمثّل المعرض فسحة مشتركة لكثير من النحّاتين، بصفته فضاءً جامعاً لأعمالهم المتنوّعة وأفكارهم المختلفة، وهو ما لا يقتصر على فنّان واحد أو رؤية واحدة، ما يمنح إمكانيةً للاطلاع على أحدث اشتغالات الفنّانين وأفكارهم ومعالجاتهم الفنّية لمشاكل الحياة؛ إذ يشهد إقبالاً يُعدّ الأكبر من حيث المشاركات والحضور بخلاف الدورة السابقة.

وعلى غرار السنوات السابقة، كان الحضور الأكبر في الدورة الحالية للأعمال المشغولة بالبرونز، والحديد، والحجر، فيما حضرت أعمال أُخرى مشغولة من موادَّ مُستهلكة ومهملة، وهو ما يلقى رواجاً في الساحة الفنّية العراقية، إذ أصبح لهذه الموادّ دورٌ في تشكيل العمل الفنّي وتكوينه.

يُقام المعرض لمرّة واحدة في السنة، وهو ما يحاول المشاركون استثماره لإبراز الدور الريادي لهذا الجانب الفنّي الذي برع فيه فنّانون عراقيّون بارزون قدّموا على مرّ السنين أعمالاً نحتيّةً لها حضورها الدائم في الذاكرة.

يُذكَر أنّ المعرض يوقّعه سبعةٌ وخمسون نحّاتاً عراقيّاً مِن محافظات عديدة، ويشهد لأوّل مرّة مشاركة نحّاتين شباب بأعمال متنوّعة وأحجام متفاوتة؛ من بينهم: رعد المندلاوي وعلاء سعدون وحسن مهدي.

المساهمون