لم يتوقفِ الانبهار الغربي بحضارات وادي النيل ومصر القديمة منذ بدايات القرن التاسع عشر، وضمن هذا السياق يستمرّ في "متحف اللوفر" بالعاصمة الفرنسية باريس، حتى الخامس والعشرين من تموز/ يوليو المقبل، معرض مخصّص لحقبة "مملكة كوش" ويحمل عنوان "فرعون الأرضين". عرفت المملكة فترة ازدهار وقوّة حوالي عام 730 قبل الميلاد، وحكمت ما يزيد عن 50 عاماً أراضيَ ممتدّة من دلتا نهر النيل شمالاً، إلى ملتقى نهرَي النيل الأبيض والأزرق جنوباً.
إذِ استطاع ملوك مدينة نبتة الواقعة في الأراضي السودانية اليوم، أن يدخلوا مصر ويؤسّسوا السلالة الكُوشية، ويحكموا بلاد النيل متّخذين لأنفسهم لقب "الفراعنة"، بعدما أصبحوا فراعنة الأسرة الخامسة والعشرين في حكم مصر.
يضيء المعرض قوة استمرارية التأثير المصري على السلالة السودانية الحاكمة، التي حافظت رغم ذلك على تقاليدها، ومزجتها بما وجدته سائداً في مصر على عادة كلّ الفاتحين. كما يوضّح غِنى تلك المرحلة من الناحية الاقتصادية والعمرانية، إضافة إلى النواحي الثقافية والدينية، من حيث الاهتمام ببناء المعابد، وغنى الطقوس والإبداع الفنّي الذي عرفته.
جُمِعت المعروضات من مقتنيات متاحف لندن، وبرلين، ونيويورك، والخرطوم بالإضافة إلى أعمال البعثة الأثرية التابعة لـ"متحف اللوفر"، والتي تُجري أبحاثها في السودان منذ عشر سنوات، ويعتبر المعرض الأول من نوعه في فرنسا، الذي يغطّي هذه المرحلة من حضارات مصر القديمة ووادي النيل، من خلال مقتنياته والفعاليات المرافقة له.
كما يتوقّف المعرض عند الجانب الزراعي وتقنيّاته في أراضي المملكة، التي كانت تغطّي الصحراء مساحاتٍ شاسعة منها، ما عدا تلك المساحة التي ترويها مياه نهر النيل، لذلك تُقدّم المقتينات المعروضة فكرةً عن نظام الري المُعتمَد على ضفاف النهر، وطُرق التحكم بها. كما تغطّي المعروضات الجانب التجاري وطُرق التجارة الرئيسية التي كانت معتمدة في مملكة كوش، سواء تلك النهرية أو البرية الممتدّة إلى قلب الصحراء الإفريقية ومنابع نهر النيل.
من الجدير بالذكر أنّ محطة "فرانس 5" تعرض في العاشر من حزيران/ يونيو المقبل فيلماً وثائقياً عن نفس الحقبة الزمنية التي يغطّيها المعرض من إخراج جاك بليزانت.