بعد ثمانية أشهر تخلّلها اثنا عشر لقاءً، اختتمتْ "جمعيّة الثّقافة العربيّة" ورشة "ديوان أوّل" المخصّصة للكتابة الشعريّة، والتي قدّمها عبر منصّة "زوم" الزميل، الشاعر الفلسطيني نجوان درويش، بمشاركة مجموعة من الشعراء الفلسطينيين والعرب.
وكانت الورشة قد بدأتْ بلقاءات متخصّصة عن الشعر العربي والعالمي، سبقها عرض تاريخي وصولاً إلى شعر القرن العشرين، ووقوفٌ عند تجارب شعراء معاصرين مع استضافة بعضهم في لقاءات خاصّة تمحورتْ حول تجاربهم وبنائهم لمجموعاتهم الشعرية. ومن الشعراء الذين جرتْ استضافتهم السوريُّ نوري الجرّاح واللبناني عبّاس بيضون. كما خُصصت فترات تفرُّغ للقراءة ولاحقاً للكتابة.
وكان الهدف الأساسي من الورشة، بحسب بيان لـ"جمعيّة الثّقافة العربيّة"، تحضير الشعراء المشاركين لتقديم مجموعتهم الشعريّة الأولى أو الثانية للنشر، من خلال تخصيص لقاءات تمحورت حول كيفيّة إعداد مجموعة شعريّة وتحريرها. وتشير الجمعية إلى أنّها تعمل "حالياً على إصدار أنطولوجيا شعريّة من أعمال المشاركين، الذين كانوا من فلسطين والمغرب والعراق ومصر ولبنان"، والذين جرى اختيارهم للورشة من بين عشرات الطلبات.
ربيع عيد، مدير المشاريع في "جمعيّة الثّقافة العربيّة"، وصف الورشة بأنها كانت "تجربة فريدة على أكثر من مستوى؛ كونها جمعت شعراءً من كلّ فلسطين ومن الوطن العربي تحت مظلّة واحدة، ونجحت في أن تخرج بمنتوج شعري من قبل المشاركين الذين التزموا على مدار أشهر طويلة في الورشة ومتطلّباتها"، مشيراً إلى أن نتاجهم خلال الورشة سيخرج إلى النور "في الأشهر القريبة القادمة".
وأضاف عيد: "تميّزت الورشة باجتهادات خلّاقة من قبل المشاركين، ونقاشات فكريّة عميقة عن الشعر كانت تمتدّ لساعات إضافية في كلّ لقاء، ما جعل من الورشة مساحة للتفكير والعمل الجماعي والتلاقح الثقافي والتواصل الإنساني، واكبنا من خلالها تطوّرا ملحوظا على مواهب ومهارات المشاركين بإشراف ودور الشاعر نجوان درويش".
وخلص عيد إلى القول: "يأتي تنظيم هذه الورشة دعماً لأصوات شعريّة واعدة في فلسطين والوطن العربي، وكان الجمع بين فلسطين والوطن العربي مقصوداً، وهي تجربة جديدة في "جمعيّة الثّقافة العربيّة"، وذلك لكسر الحدود التقسيميّة وكون الشعر العربي لا يمكن تقسيم فضائه (...) وتعزيزاً للإنتاج الشعري في ظلّ جنوح وابتعاد عن الشعر نحو جائزات أدبيّة".
بدوره، قال الشاعر نجوان درويش، الذي حضّر وأدار وأشرف على سير اللقاءات وعمل المشاركين: "انطلقت الورشة من معطيات أوّلُها أن كتابة الشعر أمرٌ لا يمكن تعليمه، وإنّما من الممكن توفير أدوات ونقل خبرات، وأنّ كلّ دراسة - بالمعنى الحرّ للكلمة - ستعمّق حتماً معرفتنا بالحقل الذي نعمل فيه. كنّا واعين لخطر تدريس الكتابة الإبداعيّة ولأعراضه الجانبيّة، وأوّلها تحويل التجربة الشعريّة كخبرة روحيّة إلى مجموعة أدوات شكلانيّة وتقديم هذه الأدوات إلى أشخاص قد يفتقدون إلى الموهبة أو الصدق أو الإخلاص للشعر. وقد شاركتُ رفاقي في الورشة المبدأ الشخصي الذي استلهمته من أستاذي في كلية القانون محمد وحيد الدين سوار، الذي طلب منّا في درسه الأول أن نُسجّل عبارة "القانون المدني لا يعطيك بَعْضَهُ إلّا إذا أعطيته كُلَّك"، وأنني كتبت جملته لحظتها: ’الشِّعر لا يعطيكَ بَعْضَهُ إلّا إذا أعطيته كُلَّك".
وأضاف درويش: "كانت المعرفة التي دارت في فَلكها لقاءات الورشة هي بناء المجموعة الشعريّة والإجابة عن سؤال: كيف يبني الشاعر مجموعته الشعريّة؟ وهو موضوع مهمل في الثّقافة الشّعريّة العربيّة، ويندر وجود كتابات وتنظيرات حوله. ومن أجل أن نجيب عن هذا السؤال، كان لا بدّ من رسم مسارات للرحلة وبناء لغة مشتركة بين رفاق الورشة وتكوين تصورات صحيحة عن الشعر العربي وعن التّجربة الشعريّة، فرديّة وجماعيّة. وككلّ رحلة كان لا بد أن تصل لنهاية، نهاية هي كما آمل مجموعة بدايات جديدة للأصدقاء الشعراء مشاركي الورشة الذين يقع على كاهل أكثرهم موهبة وإخلاصاً المساهمة في مستقبل الشعر العربي. وقد سرّني بشكل خاص أن تبدأ هذه الرحلة من حيفا، مدينتنا العربيّة الفلسطينيّة الناظرة أبداً إلى تحرّر فلسطين والمنطقة العربيّة من الاستعمار الصهيوني وملحقاته، والفضل يعود إلى "جمعيّة الثّقافة العربيّة" التي حَملت عن مؤسِّستها الباقية روضة بشارة عطا الله هذه الهويّة التحرّرية الخلّاقة. وبفضل وفاء طاقمها لهذا الإرث كان بالإمكان لهذه الورشة أن تكون".
هنا شهاداتُ المشاركين.
علي قادري من فلسطين: أن يتحوّل الشّعر إلى حاجة وعادة وصنعة
"جعلتني ورشة "ديوان أوّل" أخوض في سؤال الشّعر من جديد، شكلاً ومعنىً وبناءً، وقد عايَنْتُ تجربتي من خلال علاقتي بأنقى الأصوات الشّعريّة الجديدة على امتداد الوطن العربيّ. كانت رحلةً أسبوعيّة بمثابة صيد ثمين، بدأت من التّراث وتجاوزت المحليّة، وصولاً إلى عالميّة الشّعر وكونيّته. دفعت الورشة بي، أن يتحوّل الشّعر والكتابة عندي إلى حاجة وعادة وصنعة".
مبين خشاني من العراق: رحلة معرفية تنوّعت مكاسبها
"لم تكن ورشة بالمعايير التقليدية بل كانت رحلة استكشافية إلى ما يمكن أن يكون شعراً. أسابيع من التجربة اختبرتُ خلالها أدوات كتابة واطلعت على كيفيات بناء لمجاميع شعرية كثيرة. تنوّعت المكاسب المعرفية التي حظيت بها وأطمح لاستثمارها في مشروعي الشعري. أستطيع واثقاً أن أقول بأنني بعد هذه الورشة لست كما قبلها".
هدى عرموش من فلسطين: كمن ترجع من حجَّة مقبولة
"كانت جلساتنا مُخدِّرة، لم أحس بالأيام، عدا الجمعة موعد الورشة. أدركت متأخّرةً أنني كنت أبحث عن الجمال، وكان في مباني الشعر الشاهقة لمّا تخطف الأنفاس، وإنني لأدرك أن المعاني أسفل المباني تنتظرنا للتجربة. أطللت على العالم بعد أن ودّعنا بعضنا بروحٍ طوّافة، خفيفة، كمن ترجع من حجَّة مقبولة".
محمود وهبة من لبنان: الورشة - المغامرة التي عشناها
"ماذا تعني المجموعة الشعريّة؟ وماذا يعني الديوان؟ كيف يمكن لزائر الشعر والغارف منه أن يبني بناء شعرياً. هذه كانت أولى أسئلة الورشة - المغامرة التي عشناها. مغامرة جميلة عشتها على مدى أشهر مع تسعة أصوات من العالم العربي؛ تعرفنا على بعضنا اكتسبنا لهجات بلدان جديدة وكنا على موعد دائم مع أشياء جديدة. تجربة أتمنى أن تتكرّر".
يحيى عاشور من فلسطين: قفزة كبيرة في تجربتي الصغيرة
"لم تكن ورشة تقليدية أبداً، كنّا نسمع نجوان درويش حيناً ونناقشه حيناً آخر، كنا نقرأ ونحرّر معه ونستمع لتجارب أُخرى كبيرة استضافتها الورشة مثل عباس بيضون ونوري الجراح. لقد كانت محاورة فريدة جداً مع نجوان وبقية الأصدقاء خلال الورشة وخارجها. وبالنسبة لي كانت بمثابة قفزة كبيرة في تجربتي الصغيرة، سأحرص على أن تليها قفزات أكبر فأكبر. أكثر التجارب تأثيراً فيك هي تلك التي ما إن تكاد تنتهي حتى تبدأ بمشاركتها مع غيرك. وورشة "ديوان أوّل" هي بكل تأكيد واحدة من هذه التجارب".
أحمد محسن من مصر: عادات مكتسبة في "تسميةِ الوردة"
"الآن، في آخر مرحلة أولى من ذلك الطريق الذي بدأناه في الورشة، بمسودّة ديوانٍ أوّل في اليد، وبعاداتٍ للكتابة والقراءة مكتسبة على مدار شهور لقاءاتها، أغلبُها كان مشاركةً للشاعر نجوان درويش لخبرته في "تسميةِ الوردة"، أظن أنني كنتُ لأتحمّس أضعاف ما تحمّستُ لخوض التجربة في بدايتها، هذه التجربة التي بدأت ولا تنتهي، كتلك التجربة الأولى: محاولة البحث عن النصف الضائع من الإنسان".
علي مواسي من فلسطين: متعة القفز بين الائتلاف والاختلاف
"كانت الرحلة مع ورشة "ديوان أوّل" قفزاً سريعاً بين الائتلاف والاختلاف، طوال الوقت، وفي هذه المراوحة كَمَنَتِ المتعة. لقد استطاع نجوان درويش أن يَنْظِمَنا بلا نَظْم، واضعاً على الطاولة أشياء كثيرةً من تجربته الغنيّة واللّافتة في القراءة والكتابة والتأليف والتحرير والبناء والترجمة والتحكيم، وهو يقول لنا: هذا ما أملك، فخذوا ما يحلو لكم، واعلموا أنّ في الأمر تعباً".
سفيان البالي من المغرب: الحرّية بتعدد أصواتها
"كانت الورشة بمثابة فاتحة لمسار شعريّ، لا فقط على المستوى الفردي لكل مشارك فيها، بل كمجموعة طورت من خلال النقاشات التي تضمنتها اجتماعاتها نظرة نحو الشعر وبنائه، كما بناء المجموعة الشعريّة... هذه النظرة التي تعتمد الحريَّة بتعدد أصواتها، كما التطور الدائم والمسايرة عبر اعتمادها التجريب، والتشابك الثقافي لغة ومضموناً وبناءً، هي الأعمدة الثلاثة لها ولما تضمنته تلك النقاشات التي دارت بيننا داخل الورشة".
سائد نجم من فلسطين: مصير الكلمة التي لا ينطقها القلب
"بمجرّد دخول ورشة الكتابة الشعريّة التي نظّمتها مشكورة مع الشاعر نجوان درويش "جمعيّة الثقافة العربيّة"، بدا اتّفاقاً ضمنياً قبل كتابة أي نَصّ؛ أنّ الكلمة التي لا ينطقها القلب سيأباها اللسان، وعلى هذا المعيار كان التمرّن على تحرير نصوصنا الشعريّة. أذكر تشديد رفيقنا نجوان حين قمنا بتحرير أوّل قصيدة لي تُعرض خلال اللقاءات على أن "الشِّعر هو فَن الحذف"، وما تبقّى من قصيدتي حينها، الجملة الوحيدة التي نطقها قلبي فعلًا خلال الكتابة. بفضل هذا "الديوان الأول" صار لي أصدقاء من المغرب ولبنان ومصر، ومن وطني المُحتل الذي لا أستطيع الوصول إلى أغلب مناطقه، كالجليل وحيفا وغزّة، كذلك صار لنا رفيقة شاعرة من مدينة نابلس".