تبدو مجموعة عبد اللطيف اللعبي الأخيرة، "لا شيء تقريباً"، أقرب إلى وصيّةٍ شعريّة. وصيّة تأخذ شكل قصائد يلتفت الشاعر المغربيّ فيها إلى ماضيه، إلى ما فعله وما كان يريد فعله دون أن يُقدَّر له ذلك، وكذلك إلى حاضره ومستقبله، طارحاً على كلّ هذه الأزمنة وانطلاقاً منها، أسئلةً وجوديّة حول الحياة، والكتابة ومعناها، حول الإنسانية، والثورات، والأزمة البيئية وتهديداتها، وحول التقدّم بالسنّ، والموت، وكذلك حول الأثر الذي يتركه مَن يرحل.
أسئلةٌ لا يبدو الشاعر (1942) متحرّجاً من مواجهتها، بل يجيب عليها بلغةٍ مضيئةٍ ومن دون مواربة، وكأنّ الشعر، بالنسبة إليه، مكان الحقيقة الأنسب. يمكن البحث عن صيغة جامعة لهذه الإجابات في عنوان المجموعة، الذي يتحدّث في الفرنسيّة عن "لا شيء" بالجمع لا بالمفرد.
لكنّ هذه "اللاشيئات" تكاد تصبح "كلّ شيء" عندما تُلحق بتلك الـ"تقريباً"، التي تشكّل المنبع الشعري لعدد من قصائد المجموعة. هكذا، تبدو الإجابات التي تأتي بها القصائد، ويكثّفها العنوان، وكأنّها تراوح بين العدميّة أو الشكّ من ناحية ("لا شيء")، والأمل والتفاؤل من ناحية أخرى ("تقريباً").
أمس الأحد، أعلنت دار "لو كاستور أسترال" الفرنسية، التي أصدرت "لا شيء تقريباً" نهاية العام الماضي، عن نيل مجموعة اللعبي "جائزة روجيه كووالسكي" للشعر، التي تمنحها مدينة ليون الفرنسية، والتي تحمل أيضاً اسم "جائزة الشعر الكبرى لمدينة ليون".
وبهذا، تنضمّ الجائزة إلى سلسلة من الجوائز الفرنسية ("جائزة غونكور للشعر"، 2011) والعربيّة ("جائزة محمود درويش للثقافة والإبداع"، 2020) واللاتينيّة (جائزة "نويفو سيغلو دي أورو" المكسيكية)، والتي يمثّل تعدُّدُها اعترافاً بأهمية تجربة صاحب "أزهرتْ شجرةُ الحديد".
أمّا "لا شيء تقريباً"، فهو الديوان الشعري التاسع عشر في مسيرة اللعبي، والتي حفلت، إضافة إلى الشعر، بأكثر من خمسين كتاباً منشوراً في الرواية والمسرح والمقالة والسرد وكتب الأطفال والترجمة. وكان آخرُ ما صدر للشاعر أعمالُه الكاملة (المكتوبة بين عامي 1965 و2017)، التي قامت بنشرها في مجلّدين، عام 2018، دار "دو سيروكو" في الدار البيضاء.