قبل أن تقلب جائحة كورونا مواعيد التظاهرات الثقافية في العالم، كان "معرض تونس الدولي للكتاب" يقام على عشرة أيام، تكون إمّا في نهاية آذار/مارس أو في بداية نيسان/إبريل، بما يعني أنه يفترض أن نعيش هذه الأيام على وقع الاستعدادات للمعرض أو بدأناه فعلاً.
لكنّ وزارة الثقافة أعلنت مؤخّراً أن دورة 2022 قد تأجّلت، وسرعان ما تعالت الانتقادات عبر مواقع التواصل الاجتماعي ضدّ هذا القرار، ولم ينتبه كثيرون أن تأجيل المعرض، أو الأصحّ إلغاؤه (وهو مصطلح تتحاشاه بيانات وزارة الثقافة بشكل غريب)، بات من تحصيل الحاصل، بما أن الوزارة لم تعلن عن تاريخ انتظامه في موعده المعروف (يُفترَض أن يتمّ ذلك في شهر كانون الثاني/يناير)، ناهيك عن سبب آخر لا يقلّ أهمية هو أن آخر دورة من المعرض قد أُقيمت في موعد استثنائي في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي. ولا يبدو قطاع النشر قد أنتج ما يبرّر تنظيم معرضين لا يفصل بينهما إلّا أربعة أشهر تقريباً، دون أن ننسى أن الدورة الأخيرة كانت محلّ انتقادات في ظل عزوف الجمهور عن حضورها، وقلّة الدعاية لها وفقْر برنامجها الثقافي وغياب الكثير من الناشرين البارزين.
ومع تضخّم الانتقادات، نشرت وزارة الثقافة بلاغاً، مّما جاء فيه: "على عكس ما تمّ تداوله في بعض صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، لم يتمّ إلغاء تنظيم الدورة 37 من 'معرض تونس الدولي للكتاب'، بل فقد تقرّر إعادته لموعده المعتاد في شهر إبريل من كلّ سنة". من المنطقي أن إعادة ترتيب الروزنامة تحتاج إلى مثل هذا القرار، لكنْ من الغريب تأكيد الوزارة على عدم إلغاء دورة 2022 في حين أن المعرض لن يقام إلّا في 2023.
لن تُقام النسخة المقبلة من المعرض إلّا في نيسان/إبريل 2023
يبقى أن الأهمّ من العودة إلى الموعد القارّ للمعرض هو العودة إلى الإشعاع الذي كان عليه في دورات سابقة، ويحتاج ذلك إلى تغيير الكثير من العناصر، أبرزها إعادة بناء الجاذبية الرمزية للتظاهرة، وتطوير البرنامج الثقافي، والاشتغال على جعل المعرض أكثر من سوق لعرض الكتب، وقبل ذلك إعادة الكثير من الناشرين العرب الذين تناقصت أعدادهم في الدورات الأخيرة، حيث اشتكوا من عوامل كثيرة، من بينها غلاء تأجير الأجنحة مقارنةً بحجم المبيعات، وهذا الأخير مرتبط بضعف القدرة الشرائية في الأعوام الأخيرة بعد الاهتزازات التي عاشها الاقتصاد التونسي.
ولعلّه من الجدير التنويه بأن مثل هذه النقاط لا تشغل موجة الانتقادات التي تكتفي في معظمها باتهام الدولة بأن الثقافة تُوضَع في الدرجة الدنيا من اهتماماتها. وفي مثل هذا المناخ المتوتّر لا يمكن التفكير في تطوير المعرض، وقد كانت المساحة الزمنية الفارغة التي فرضتها الجائحة فرصةً لمثل هذا التفكير، لكنْ لم يتحقّق منه شيء. وها هي الرغبة في العودة للموعد الأصلي للمعرض تعطي مساحة زمنية جديدة، ولكن يُخشى أن تُستهلك في العراكات الصغيرة، فيما يبقى المعرض كما هو...