بقيتْ ساعاتٌ قليلة وتُختتم الدورة السادسة والثلاثون من "معرض تونس الدولي للكتاب"، التي انطلقت في 11 من الشهر الجاري. تظاهرة انتظرها جمهور القراءة لسنتين، بسبب التأجيلات التي فرضتها جائحة كورونا وموجاتُها المتتالية، والذي عبّر عنه الحضور الجماهيري الكبير في بعض الأيام، تلك التي توافق نهاية الأسبوع تحديداً، إلّا أنّ معظم هؤلاء قد خرجوا غير مسرورين.
لا شكّ في أنّ "المعرض الدولي" هو مناسبة لحضور دور نشر عربية وأوروبية لا تتوفّر عناوينها في بقيّة أيام السنة، لكنّ نسخة هذا العام كانت إلى المحلّية أقرب، حيث كانت أغلبية دور النشر المشاركة بأجنحة تونسية خاصّة، وهو ما قلّص العرض أمام مَن يبحث عن كتب نوعية لا يجدها خارج المعرض، الأمر الذي يُفقد التظاهرة بالتدريج الكثير من إشعاعها.
لكنّ استياء الزائر لا يقف عند المعروضات، فله أن يستاء أيضاً من بعض المظاهر السلبية الأخرى مثل التوظيفات السياسية للمعرض، والتي تجلّت في ملصقه الذي يضع الدورة "تحت سامي إشراف رئيس الجمهورية"، وهو نوعٌ من العبارات التي باتت ذائقة المجتمع الثقافي تمجّها، وظهر ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل جليّ.
هذه المواقع كانت أيضاً فضاءً لانتقاد البرنامج الثقافي. كالعادة، بدأ الأمر مع مَن "أُقصيَ" من قائمة ضيوف المعرض، ومِن ثمّ امتدّ إلى بعض هؤلاء الضيوف حين وقفوا على بعض الهنات في التنظيم أو وجدوا أنّهم يحاضرون أمام كراسيّ فارغة.
حول هذه النقطة، كان الروائي عبد الواحد براهم قد نشر تدوينة بعنوان "معرض الكتاب وتكرار الخطأ"، كتب فيها أن النشاط الثقافي للمعرض لم يحقّق المطلوب منه، ولا استقطب الجمهور المنتظر، معدّداً بعض الأسباب التي يمكن أن تفسّر ذلك، مثل التوقيت، وكثرة الفعاليات، ومواقع القاعات، والمَحاور التي تتطرّق إليها الندوات، إلخ.
على عكس حالة الاستياء حوله، يبدو المعرض مرتاحاً لكلّ ما يقدّمه
يقول براهم: "تكرّرت هذه التّجربة في كلّ الدّورات، ولم تحقّق سوى نجاح نسبيّ بسبب ظروف معيّنة. حديثاً دُعيت إلى ندوة مع خمسة من أعلام الثقافة والتاريخ في تونس جلسوا في أرائك مريحة ليواجهوا موقفاً غير مريح: قاعة فارغة. ونفس الأمر حدث في جلّ القاعات مع الرّوائيين والشعراء وغيرهم".
لعلّ صورة الأرائك المريحة التي التقطها الروائي التونسي تلخّص كلّ شيء، فالمعرض يبدو في جميع خياراته وكأنه مرتاح لكلّ ما يقدّمه على الرغم من كلّ المؤشرات السلبية حوله، وكأنّ ثمة خطراً جسيماً في محاولة تغيير أي شيء، والنتيجة هي هذا التنفير الذاتي الذي بات يمارسه المعرض على مدى سنوات. وها إن سنةً مثل 2021 كان من المفترض أن تكون إشباعاً للمتعطّشين لعودة الثقافة، باتت دليلاً على فشل الثقافة الذريع في تونس، وهي في ذلك غير بعيدة عن واقع معظم المشهد الثقافي العربي.
يُذكر أنّ نقطة غياب الجمهور من الأنشطة التي نظّمها معرض الكتاب أمرٌ تُخفيه صفحته الرسمية على "فيسبوك"، حيث يجرى تصوير المنصة معظم لوقت، أو تقريب العدسة من المتحدّثين، وانتقاء بعض مواطن الكثافة الحضورية لتمرير صورةٍ بعيدة عن الواقع.
في المؤسّسات الرسمية، عادةً ما يكون هناك موظّف يجمع المادّة الإعلامية التي تناولت أنشطة المؤسّسة التي ينتمي إليها. مَن يقوم بهذه المهمة في وزارة الثقافة التونسية عليه وهو يرصد أصداء المعرض أن يجمع التدوينات والمقالات التي تشير إلى مواطن الخلل فيه، هذا إذا كانت هناك رغبة صادقة في تطوير هذه التظاهرة.