ليس العود آلةً تُذكَر، فحسب، بين قائمة الآلات المستخدمة في الموسيقى العربية والشرقية بشكل عام، بل قد يكون الرمزَ الذي يمكن له أن يختصر تاريخ هذه الموسيقى بمجمله، ليس فقط لأنه أساسيّ في تكويناتها، بل كذلك لأنه الآلة التي أُلّف على أوتارها الكثير من عيون الطرب العربي، وهو أمرٌ لا يزال قائماً حتّى يومنا هذا.
ولم يكن للعود أن يحافظ على مكانته هذه منذ قرون لولا استمرار حِرفة صناعته، التي لا تزال يدويةً في العديد من المدن والعواصم العربية، والتي تناقلت الأجيالُ فيها طريقة صناعته حتى بتنا نتحدّث اليوم عن عودٍ بغداديّ، وآخر حلبيّ، أو دمشقيّ، أو بيروتيّ، أو حتى تركيّ، بسبب التنوّع في اختيار أخشابه، وطريقة تركيبها، وعددها، إضافة إلى الاختلاف في صناعة أوتاره أو قالبه.
عند السابعة من مساء الثلاثاء المقبل، ينظّم "المعهد الألماني للأبحاث الشرقية" في مقرّه ببيروت، بالتعاون مع "مؤسّسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية"، أمسيةً بعنوان "إتقان العود: تحيّة إلى ألبير منصور"، أحد أبرز صنّاع العود الأحياء في لبنان وبلاد الشام، وذلك تكريماً لدوره في المحافظة على هذا "الكار" طيلة العقود الأربعة الماضية.
ولا تشبه تجربة الصانع اللبناني تجارب العديد من أقرانه الذين عملوا في هذه الحِرفة، والذين توارثوها أبّاً عن جد، إذ جاء منصور إليها بعد سنوات من العمل في ميكانيك وتصليح السيارات، كما أنه يعمل فيها منذ عقود من دون أن يكون هو نفسه عازف عود.
على أن هذا لم يمنعه من التميّز بين أبناء الحِرفة، حيث قدّم آلات بشرائح خشبية أقلّ، وبأحجام وانحناءات تُريح العازفين خلال الأداء، وتساعد على إعطاء صوتٍ فريد، جذب إليه عدداً من الفنّانين العرب الذين اقتنوا أعواداً منه، مثل نصير شمّة، وعمر بشير، وشربل روحانا، ومارسيل خليفة.
تشمل الأمسية التي يستضيفها "المعهد الألماني" عرضاً للفيلم الوثائقي "ألبير منصور، صانع العود"، للمخرج فادي يني تُرك، وعزفاً للموسيقي أسامة عبد الفتاح على أعواد من صناعة منصور، إضافة إلى جلسة استماع عبر جهاز الفونوغراف لمجموعة من الأسطوانات والمعزوفات النادرة التي تنتمي إلى مجموعة "مؤسّسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية".