لكتاب "المحاولات" لمؤلّفه ميشيل دو مونتاني (1533 - 1592) موقع بارز في الثقافة الفرنسية، كونه أحد الكتب الفكرية الأساسية في القرن السادس عشر، ويُجسّد انعكاساً لروح عصر النهضة ونزعتها الإنسانية، كما اعتُبرت لغته مرحلة وسطى بين الفرنسية القديمة والفرنسية الحديثة.
هذا الموقع جعل الكتاب يظهر في صيغ عديدة مع مرور القرون، حيث صدر في صيغ مدرسية كثيرة حاولت أن تطوّع مضامينه لعقول الناشئة، كما صدرت له صياغات بالفرنسية الحديثة أبرزها "ترجمة" أندريه لانلي، وظهرت معاجم تساعد القراء في مغامرة قراءة "المحاولات".
من أطرف أشكال إعادة صياغة "المحاولات" اشتغال المسرحي الفرنسي إرفيه بريو على تحويل نصوص مونتاني إلى مفردات الفن الرابع في كتاب صدر مؤخراً عن "منشورات أفان سين" المتخصصة في الكتب المسرحية.
يعتبر بريو أن للمسرح كل الحق في استضافة "المحاولات"، لأن هذا الكتاب قام على فكرة التحوّل وعدم الثبات، كما أنه يختزن جوانب حوارية أهدرها التقسيم الجامد لأشكال الكتابة، وهو يذكر هنا أن "محاولات" ومونتاني مشابهة لـ"محاورات" أفلاطون، ولكن بدل اعتماد الحوارات لبناء المشهد المسرحي يذهب بريو إلى صيغة المونولوغ.
تضيء النصوص التي اختار بريو اقتباسها الكثير من فصول حياة مونتاني، ويعود ذلك إلى كون المسرح في حاجة إلى خط حكائي على عكس الكتب الفكرية.
يُذكر أن نصوص الكتاب ليست مجرّد صياغة نصية، حيث أن تحويل "المحاولات" للمسرح قد بدأه بريو على الخشبة، حين جرى عرض مسرحية بنفس العنوان في "مسرح مونبارناس" بباريس في صيف 2021، وقد أشار المسرحي الفرنسي إلى أنه استغل فترة التوقف في 2020 لمشروع بحجم نقل "المحاولات" إلى مفردات الفن المسرحي.