عن "منشورات الألمعية"، صدر حديثاً كتابٌ بعنوان "الحراك الجزائري: كتابةٌ لنحت مسالك النور"، وهو عملٌ جماعيّ شاركَت فيه مجموعةٌ من الكتّاب والأكاديميّين، وحرّرته وكتبت مقدّمته الشاعرة الجزائرية نصيرة محمدي.
في مقدّمتها، تتساءل محمدي: "ما الذي يمكن أن يُؤسّسه الحراك الشعبي لكينونة جزائرية مستلبة ومُهانة ومنهوبة طيلة عقود من الزمن؟"، لتُجيب: "ليس هذا الحراك مجرَّد حركة عابرة في التاريخ، أو حالة تنفيس عن وضع كارثي تسبَّبت فيه أطراف خائنة واستعلائية احتقرت إرادة الشعب ونزوعه الدائم نحو الانعتاق وبناء دولة بمؤسَّسات حقيقية تضمن كرامة الجزائري وتُحافظ على خيراته. الحراك أعمق وأبعد من تصوُّراتنا البسيطة عن تاريخ معقَّد وملتبس عاشته الجزائر، يُثبِت في كلّ مرّة أنَّ الحل هو القطع مع الحلول الجاهزة الترقيعية والامتثال لأساليب شعبوية غارقة في التخلُّف والاستبداد".
وتُضيف: "كان الحراك هو الثورة الثانية التي ستسم وجه الجزائر لينتبه العالَم من جديد إلى روح بلد هيمنت عليه قوى طاغية وظالمة استأثرت بالقرارات والخيرات والثروات التي يزخر بها" بينما "ظلّ قطاع واسع من الكفاءات مزجوجاً في خيارات انتحارية أمام هول النكبات والحروب والانهيارات التي وصل إليها البلد".
إلى جانب المقدّمة، تضمّن الكتاب، الذي أهداه مؤلّفوه إلى الباحث الراحل بشير ربّوح، 24 مقالاً؛ من بينها: "الحراك: أغنية الشعب/ هلاك الطاغية" لعبد السلام يخلف، و"الحراك باعتباره حالة ما بعد حداثية" لآمنة بلعلى، و"ثورة الابتسامة ولعبة العض على الأصابع بين قيادة الجيش والشارع" لسعيد جاب الخير، و"الحراك الشعبي والصراع بين الشرعيات" للعربي رمضاني، و"الحراك عنه وإليه" لسعيد بوطاجين، و"الحراك الشعبي الجزائري: صوت التعدُّد في مواجهة الواحد" لعبد الحفيظ بن جلولي، و"الحراك بعين محايدة" للمستعرب الفرنسي بيار لوي ريمون، و"حراك 22 فبراير أو ثورة الكرامة" لإبراهيم سعدي، و"تأويلات في غابة الحراك" ليوسف بوذن، و"اللحظة الجزائرية وأسئلة ما بعد الكولونيالية" لقلولي بن ساعد، و"من ثورة التحرير إلى ثورة الابتسامة" لحميد زناز، و"ميلاد متجدّد للكينونة الجزائرية" لمحمد بن زيان، و"ثورة بسقف عالٍ" لمحمد الصالح قارف، و"الفن وأسئلة التغيير" لبن علي لونيس، و"الحراك الجزائري/ كل الحكاية: سرد وقائع ما حدث" لأبوبكر زمال، و"يوم أخذ الشعب زمام أموره بنفسه" لبوداود عميّر.
في حديثها إلى "العربي الجديد"، تقول محمّدي إنَّ الكتاب يُشكّل "مساحةً للسؤال والتأمُّل والنظر إلى الحراك كحالة ثقافية وحضارية وليس انتفاضة سياسية فقط"، مضيفةً أنّه يُحاوِل رصد ملامح الحراك وتمظهُراته والوقوف عند محطّاته ولحظاته المختلفة مِن خلال شهادات ورُؤى مجموعة من الكتّابٍ والباحثين.
وتلفت المتحدّثة إلى أنَّ فكرة الكتاب بدأت خلال مشاركاتها بشكل أسبوعي في مسيرات الحراك الشعبي: "كنتُ ألتقي تلك الجموع الثائرة مِن الجزائريّين الذين آمنوا بفكرة التغيير والتحرير. ورأيتُ أنّ مِن واجبي، كمُواطنة معنيّة بالشأن الثقافي، أنْ أفعل شيئاً يفتح أُفُق السؤال حول هذا الحراك من جانب ثقافي، ويُحرِّر الكتاب من سلبيتهم".
تُشير محمدي إلى أنّه كان مفترضاً أن يصدر الكتابُ ويشارك في الدورة الأخيرة مِن "معرض الكتاب الدولي" (2019)، مع بقيّة الكُتب التي نُشرت حول الحَراك، ولكنَّ أسباباً حالت دون ذلك، مِن بينها تأخُّر بعض المشاركين في إرسال مقالاتهم، ثمّ حالةُ الغلق التي تسبّبت بها جائحة كورونا.
لكن، ما الذي يُضيفه الكتاب إلى الكُتُب الكثيرة التي تناولَت الحَراك الشعبي؟ تُجيب نصيرة محمدي بالقول: "ربما تكمن ميزة العمل في أنّه طَرَح مسألة الحَراك مِن وجهة نظر ثقافية، وليس مِن زاوية سياسية أو أنثروبولوجية بحتة. وهو، إلى جانب ذلك، يحمل وجهات نظر ورُؤى وتوجُّهات متعدّدة، يشترك أصحابُها في كونهم يُؤمنون بالحَراك وبضرورة التغيير والتحرُّر مِن كافّة أشكال الاستلاب"، مضيفةً: "يُحاوِل الكتاب تقديم قراءة واعية لمختلف تمظهُرات الحَراك وبنيته الفكرية والثقافية".