على مدار العقود الماضية، سعى الاحتلال الصهيوني إلى فرض سيطرته على الأراضي والمباني التي احتلها من فلسطين التاريخية عام 1948 عبر انتهاكاته المتواصلة التي أضاءتها "جمعية الثقافة العربية" في مدينة حيفا المحتلة خلال مؤتمر صحافي عقدته اليوم الأربعاء، مبيّنة سياسات التمييز في الميزانيات المخصصة لمواقع التراث في البلدات العربيّة وضرورة الحفاظ عليها.
المؤتمر الذي نظّمته الجمعية بالمشاركة مع "جمعية عيمق شافيه" أعقب التماساً قدّمه أكاديميون ومؤرخون فلسطينيون للمحكمة العليا الإسرائيليّة، بهدف فضح السياسات العنصرية والانتقائية لدولة الاحتلال التي تحافظ على الأبنية اليهودية الإسرائيلية فقط، وتتجاهل كل تراث عربي إسلامي فلسطيني.
في حديثه، أشار الكاتب والباحث أنطوان شلحت، رئيس "جمعية الثقافة العربية"، إلى أن هذه الخطوة تأتي في سياق الاعتراض على سياسات ما تسمّى "وزارة القدس والتراث" في "إسرائيل"، ومن أجل توسيع دائرة الوعي حيال الماضي الحضاري الفلسطيني العربي والإسلامي، وما يتعرّض إليه من حملة محو ممنهجة تحمل دلالات كثيرة، سواء استهدفت الماضي أو الحاضر والمستقبل.
شلحت: توسيع دائرة الوعي حيال ما يتعرض إليه الماضي الحضاري الفلسطيني العربي الإسلامي من محو
وأوضح أن "الاهتمام بالماضي الذي تبديه "جمعية الثقافة العربية" ليس تهمة تؤرقها، كون هذا الماضي فيه ما يفسّر الحاضر وما يشير إلى أفق المستقبل في كل ما يرتبط بحقوق الفلسطينيين على كل المستويات، فالماضي هو رديف للتاريخ الذي شهده البلد والمجتمع"، منبّهاً إلى أن "هذا التاريخ تعرّض إلى أحداث جسيمة ما زالت تلقي بظلالها على الحاضر، وهي تستلزم التذكير بها مرارًا وتكرارًا في سياق الكفاح الذي يرمي إلى تحقيق العدالة لفلسطين وشعبها".
وقال شلحت إن "تقديم طلب الالتماس إلى المحكمة العليا يهدف إلى تحصيل حقوق المواطنين الفلسطينيين في مجالي الثقافة والتراث، وتعميق الاهتمام بالتراث الفلسطيني، وإظهار أن التمييز في هذا الشأن إنما ينطوي، في العمق، على خوف من إعادة ظهور هذا الماضي بآثامه التي ارتُكبت ولم تتوقف يومًا محاولات التعمية عليها".
كذلك تحدّث منسّق مشروع حماية التّراث المبنيّ الفلسطينيّ في الجمعيّة، رامز عيد، عن التقرير الذي صدر عنه، وتمّ فيه رصد واقع المباني التّراثيّة في البلدات والمناطق التي احتُلّت عام 1948، وسياسات الإهمال المتعمّد التي تنتهجها السلطات الإسرائيليّة في التعامل مع هذه المباني، مشيراً إلى أن المسار القضائي يشكّل إحدى الوسائل المطروقة من أجل الحفاظ وحماية التراث عموماً.
عيد: بعد ثمانين عاماً من الهدم، جاء الوقت لإنقاذ ما تبقى من الذاكرة الجماعية
وبيّن أن المشروع "يهدف الى إثارة الاهتمام وتقوية الوعي بالتراث العربي الفلسطيني المبني في داخل "إسرائيل"، وهو تراث يتعرض إلى الإهمال والهدم بشكل مباشر وغير مباشر. وبعد 80 سنة من الهدم جاء الوقت لمحاولة إنقاذ ما تبقى، لأنه هو بنك الذاكرة الجماعية الأساسي الذي يشهد على الحياة في المجتمع الفلسطيني العربي منذ قرون مضت وحتى اليوم، ولا يمكن الاستغناء عنه، وهذا ما تفعله جميع الشعوب التي تحترم تاريخها وتراثها".
وتناول عيد أبرز مخرجات التقرير الذي شمل دراسة الحالات للمباني التراثية العربية الفلسطينية المُهملة، ومنها الرّملة، حيث لم تستثمر بلديتها في تطوير أي من مبانيها التاريخية، حيث يعاني حمام رضوان في وسط المدينة القديمة الذي يعود بناؤه إلى العهد العثماني إهمالاً متعمداً، ولا تزال العديد من فضاءاته مدفونة تحت موقف للسيارات تابع لقاعة حفلات قريبة. ونظراً لموقعه المركزي، تقرر السماح بالمحافظة على الموقع وتطويره، لكن في النهاية لم يتحقق ذلك.
وأكّدت كلّ من "عيمق شافيه" و"جمعيّة الثقافة العربية" أنّ تقدّمهما بطلب الالتماس للمحكمة العليا يأتي بغية إيقاف هذا التمييز المؤسساتي عبر طلب العروض والمعايير التمييزية؛ وأنّ ومن واجب "وزارة القدس والتراث" إتاحة تلك الشواهد، والحفاظ عليها وعرضها أمام الجمهور، بدلًا من التنكر للشعوب والثقافات الأخرى التي بلورت هذه البلاد، وكأنها ليست جزءًا من تاريخها؛ فلا يمكن لوزارة التراث تجاهل آلاف السنوات من التاريخ العربي والادعاء بأن تاريخ فلسطين بدأ مع الصهيونية.