"التحليل النفسي والفلسفة": منذ وجودية سارتر

23 يونيو 2022
جان بول سارتر متوسّطاً صحافيين يحاورونه، باريس، 1947 (Getty)
+ الخط -

منذ ولادته، في نهايات القرن التاسع عشر، كمنهجٍ علاجيّ وكنظرية لدراسة النفس البشرية، والتحليلُ النفسي لم يقطع علاقته بالفلسفة، حيث شكّل الفلاسفة ما يمكن تسميته بالمحاوِرين المفضّلين للعديد من المحلّلين النفسيّين، وهو حوارٌ راوح بين الاستلهام حيناً والنقد حيناً آخر في مسعى لتجاوز مقاولاتهم، كما هو حال فرويد، مثلاً، في نقده لفلسفة نيتشه، وفي استلهامه عناصرَ مكمّلة لرؤيته حول بعض المفاهيم، ولا سيّما الكبت، الذي لم يُخف تأثّر نظريته حوله بفلسفة شوبنهاور.

وإن كان توجُّه المحلّلين النفسيّين إلى الفلاسفة قد استمرّ بعد فرويد، كما هو الحال عند لاكان وقراءاته في المتن الهيغلي، فإن الفلاسفة أيضاً لم يتوقّفوا عن بناء جسور مع التحليل النفسي، الذي زوّد المفاهيم المجرّدة، والقراءات الأنطولوجية والميتافيزيقية، بمعطياتٍ ملموسة عن ظواهر لطالما تناولتها الفلسفة، مثل الحب والعائلة والصداقة والجنسانية وغيرها.

في الجزء الرابع من برنامجه "التحليل النفسي والفلسفة"، يحتضن "متحف فرويد" في لندن، على مدى يومين (الخميس، 30 حزيران/ يونيو، والجمعة، 1 تمّوز/ يوليو) سلسلةً من الجلسات التي يقدّمها الباحث كايث باريت تحت عنوان "التحليل النفسي والفلسفة (4): من الوجودية إلى ما بعد الحداثة".

وبعد وقوفه، في الحلقات السابعة، عند علاقة المذهب الفرويدي بفلاسفة مثل هيغل وشوبنهاور وكييركيغارد ونيتشه، يصل باريت إلى الفترة التي تلَتْ الحرب العالمية الثانية، والتي شهدت هيمنة الوجودية على المشهد الفكري، ممثّلة في جان بول سارتر، الذي يشرح المحاضِر انتقادَه لفرويد واقتراحه استبدال التحليل النفسي التقليدي بـ"تحليلٍ نفسي وجوديّ"، كما يعرّج باريت على تأثير التحليل النفسي ما بعد الفرويدي في روايات سارتر وألبير كامو وفي مسرحيات صاموئيل بيكيت.

على أنّ هيمنة سارتر على المشهد الفلسفي لن تدوم طويلاً بعد الحرب العالمية الثانية، ولا سيّما مع استقبال بلدانٍ مثل فرنسا وبريطانيا لفلسفة هايدغر، وتوجُّه الأنظار في المشهد الفكري نحوها ونحو كتابه الأبرز "الكينونة والزمان"، الذي سيترك تأثيراً كبيراً ليس على الفلاسفة مثل ميشيل فوكو فحسب، بل وحتى على المحلّلين، مثل لاكان ــ وهو تأثيرٌ يتناوله باريت في المحور الثاني من محاضرته، ضمن قراءة تحمل عنواناً عريضاً هو "التحليل النفسي وما بعد الحداثة".

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون