عزت القمحاوي.. عودة روائية إلى مصر 2011

14 مايو 2019
(عزت القمحاوي)
+ الخط -

خلال عام 2011، عام المواجهات والآمال في ميدان التحرير، أصدر الكاتب المصري عزت القمحاوي (1961) ثلاثة كتب دفعةً واحدة، ثم عاد إلى مُعدّله المعتاد ليُصدر كتاباً كلَّ عامين.

لم يكن في الأعمال الثلاثة أية محاولة للتعامل مع صراع سياسي استحوذ - ولعلّه لا يزال يستحوذ - على قسم كبير من اهتمام الكاتب، وربما كامل حضوره على مواقع التواصل الاجتماعي. كان ضمنها فقط رواية أجيال طويلة بعنوان "بيت الديب" (عن "دار الآداب" في بيروت)، يمكن القول إنها تتبنّى موقفاً تحرُّرياً من تاريخ مصر الحديث، حتى احتلال العراق سنة 2003.

لكن العمل، وإن خلا من الغرائبية مقارنةً بأعمال أخرى له، لا تَسقط في فخ الواقعية التبشيرية المتوقّعة. والأرجح أن ذلك كلّه كُتِب قبل الاحتجاجات التي أطاحت بحسني مبارك يوم 11 فبراير/شباط 2011، لكنّ أعمال القمحاوي الثلاثة الصادرة في أعقاب سقوط مبارك - رواية "البحر خلف الستائر" (دار الآداب، 2013)، ومجموعة قصص "السماء على نحو وشيك" (‪دار بتانة، القاهرة 2015‬)، ثم رواية "يكفي أننا معاً" (الدار المصرية اللبنانية، القاهرة 2017) - لا تتعرّض إلى تلك اللحظة التاريخية من قريب أو بعيد.

ومع ذلك، ورغم أن القمحاوي كاتب مَعنيّ باللعب والصنعة بشكل أساسي، يبدو أن أحداث يناير/كانون الثاني وفبراير من ذلك العام بما تستتبعه من رواية مثالية عن الاحتجاج وتغيير المستقبل - وهو ما لم يكف الكاتب عن طَرحه خارج كُتُبه - ظلّت مُسيطرة.

ليست الغرائبية التي تُميّز آخِر إصداراته إذن مقصداً أدبياً في حد ذاتها. والحقيقة أن القدرات الخارقة لبطل روايته الأخيرة "ما رآه سامي يعقوب" (الدار المصرية اللبنانية، 2019) - القدرة على التنبّؤ بالمستقبل والحديث إلى الحيوانات، بل ورؤية أشياء خارج مجال النظر - ليست بأهمية دوره كتنويع جديد على شخصية أبله دوستويفسكي أو دون كيخوته معاصر.

سامي يعقوب كما يصفه القمحاوي في مقابلة مع "أخبار الأدب" يمثّل "هذا الحب غير المشروط للحياة، وهذه الفطرة النقية وهذه الإمكانيات العقلية". لقد كتبه، كما يقول، "من خلال شوقي لبشر أتمنّى أن يكونوا موجودين، لكن لا يوجد أحد حولي مثل سامي"... وتأَلَّم لفراقه.

لكنّ الأهم أن سامي، قاطن حي غاردن سيتي الأرستقراطي في القاهرة، والمهووس بتصوير القطط أثناء تزاوجها، هو نقطة التقاء الصراعات التاريخية ذاتها التي يقاربها القمحاوي فنيّاً لأول مرة منذ 2011. فهناك موروثه العائلي: أم ألمانية وأب قضى حياته يحارب من أجل رد اعتبار جدّ شوّهه الضبّاط الأحرار لارتباطه بطبقة الباشوات حتى مات تحت التعذيب بعد اعتقالات متعدّدة، ثم أخ - يوسف - لا يعود من ألمانيا حيث عاش مع أمه التي تركت أباه منذ عمر مبكّر إلا ليموت مقتولاً في ميدان التحرير. وهناك علاقته السرية بأرملة محجّبة من حي إمبابة الشعبي - فريدة - اضطرت إلى لقائه في الخفاء خوفاً من أهل زوجها السابق الذين هدّدوها بحرمانها من بنتيها في حال ارتباطها بأي رجل.

ثم هناك احتجازه، في الطريق إلى فريدة - وهو الخط السردي الرئيسي في الرواية، الذي تتوالى من خلاله الذكريات والتعقيدات السردية - لدى أحد الأجهزة الأمنية بعد أن يُضبط متلبساً بتصوير مدخل العمارة التي يشغلها ذلك الجهاز، ولا يقتنع محتجزو سامي طبعاً بأنه في الحقيقة كان منساقاً وراء قط وقطة أراد أن يصوّر لحظاتهما الحميمة.

وهنا، في الصفحات الأخيرة للرواية، تتّضح مركزية الثورة المغدورة، ليس فقط في حكاية سامي يعقوب ولكن أيضاً في مخيلة عزت القمحاوي، الذي أصبح يرى الوضع الإنساني كله متمثلاً في تداعياتها: "أدرك أن يوسف ليس مقصوداً لذاته، لكنّ حيواته المخترعة تَخدم رواية كبرى يجري بناؤها كل ليلة، أبطالها شباب لم يعودوا قادرين على الدفاع عن أنفسهم؛ بعضهم مات وبعضهم في الحبس والبعض هاجر… فكّر في الحيوات العجيبة التي يمكن أن يحصل عليها إذا ما تعرّض للقتل الآن. لن يقولوا إنهم قتلوا شخصاً لمجرّد تصويره قطاً وقطة يتزاوجان. ستصبح له حياة إرهابي خطير أو تاجر مخدرات أو قاطع طريق…".

المساهمون