يصعب نفي حضور الدراسات النسوية والجندرية في العالم العربي، على قلّتها مقارنة بالغرب، لكن يمكن أن نلاحظ بيسر انحسارها غالباً في ما هو راهن من القضايا، دون الذهاب إلى تقصّي تاريخ اللامساواة بين الجنسين في التاريخ.
يأتي كتاب "هندسة الهيمنة على النساء" (المركز الثقافي للكتاب، 2018) للباحثة السورية ميادة كيالي عكس هذا الاتجاه؛ حيث تقارب مسألة الهيمنة من منظور تاريخي شامل، بالعودة خصوصاً إلى حضارات العراق ومصر القديمة.
عن هذا الخيار، تقول المؤلفة في حديث إلى "العربي الجديد": "حضارات العراق ومصر القديمة شكّلت مهد الحضارات والأديان والتشريعات الإنسانية كلّها. وفي كتابي الأول "المرأة والألوهة المؤنّثة في حضارات وادي الرافدين" (2015)، كنت تتبّعتُ آثار الانقلاب الذكوري على المرأة التي قادت الثورة الزراعية، فكانت المساهم الأول في استقرار المجتمعات وتشكّلها حولها، وكانت الأديان تتمحور حول الإلهة الأنثى، والسلطة الأمومية هي الحاكمة، ومع تراكم الثروات كان على الرجل أن يجد خط توريث يعود إليه، فشرّع الزواج الأحادي، وشيئاً فشيئاً تراجعت مكانتها".
تضيف كيالي: "عبر تلك الدراسة، اكتشفت بأنَّ توزيع الأدوار، حسب الجنس، وهو ما لا زلنا نعيشه اليوم، محض تراكم تاريخي لممارسات الاجتماع المتغيّر الذي ساهم في صناعته تمركز السلطة بيد الرجل ونشأة المجتمع الأبوي، وبالتالي حتى نفهم اليوم ما تعيشه المرأة في الكثير من المجتمعات من تهميش واستبعاد لا بد من تفكيك الماضي حتى نفهم مآلاته في حاضرنا، وإعادة تأويل التاريخ والبحث فيه، ومراجعة معطيات الأركيولوجيا التي تتطوّر اكتشافاتها باستمرار.
ترى كيالي أن "العائلة الأبوية تشكّلت وترسّخت منذ شريعة حمورابي، وهذه الشريعة رسمت صورة الدولة والمجتمع القديم، وكانت الخليةَ الأولى التي انبثقت منها الدولة، واستمرّت في سيرورتها، مدعومةً بالممارسات والأيديولوجيات لأكثر من ثلاثة آلاف عام ولا تزال تهيمن حتى يومنا هذا".
تضيف: "لقد مثّل هذا القانون العلامة الفارقة التي جرى تمييز المرأة فيها داخل المجتمع حسب مرتبتها الاجتماعية المبنية أصلاً على أدوارها الجنسية وخدماتها المقدّمة للرجل، (امرأة متزوجة، وامرأة "عاهرة"، وامرأة مستعبَدة)، ولا يزال هذا القانون يرمي بحمولته المفاهيمية حتى زماننا الحاضر".
كيف هو واقع الدراسات النسوية اليوم في العالم العربي، وهل لها أثر في تغيير العقليات حول المرأة؟ تجيب كيالي: "بشكل عام، لا تزال الدراسات النسوية دون الحد المطلوب ليس من ناحية الكيف فقط، رغم أنّ هناك أسماء عربية لامعة قدّمت أعمالاً جيّدة، لكن المشكلة في الكم كذلك، وبخاصة في هذا المجال التاريخي القديم الذي تطرّقت له في بحثي".
تتابع قائلة: "أمّا عن تأثير تلك الدراسات النسوية في تغيير العقليات حول المرأة، فدعني أقول بأنَّ أي حجر يُرمى في المياه الراكدة سيحدث فيها دوائر، وكلما زادت الدوائر ستصبح موجةً وتياراً وستصنع التغيير. التغيير المرتقب ليس سهلاً، لكن الأمر يحتاج إلى النفس الطويل والإصرار وإلى توحيد الجهود والأعمال المتكاملة والمشتركة".