بعد مجموعتها القصصية "عليها ثلاثة عشر"، الصادرة عن "منشورات الشهاب" في الجزائر عام 2014، تعود الكاتبة الجزائرية أمل بوشارب (1984) بعمل روائي يحمل عنوان "سَكرات نجمة" صدر حديثاً عن دار النشر نفسها.
تحاول الكاتبة في عملها الجديد ملامسة فن الرواية البوليسية، انطلاقاً -على ما يبدو- من وعي بنقص فادح لهذا النوع ضمن المتن الروائي الجزائري، والعربي عموماً.
يبدأ العمل، الذي يتوزّعُ على أربعة وثمانين فصلاً، بجريمة قتل رسّام يُدعى إلياس ماضي طعناً هو ولوحتُه الأخيرة، متّخذاً زمناً دائرياً سينغلق في النهاية. تُمثّل البداية عتبة لاستعادة حكاية رسّام جزائري مغترب، مسكون برهافة الفنانين الكبار.
سرعان ما تتشعّب وُجهة السرد إلى حكايات موازية؛ مثل بن هارون وولديه إسحق وداميا، الذين توحي الرواية بأنهم من عائلة يهودية مستقرّة في العاصمة. يدافع الابنان من دون تحفّظ عن الحضور اليهودي في تاريخ الجزائر وثقافتها، في ما يشبه تمهيداً من الكاتبة لطرح مسألة الماسونية وحضورها الرمزي في البلاد، والذي يتمركز في الرواية بوصفه عنصراً سردياً يوّجه الأحداث المتشابكة.
لجأت الكاتبة، خلال الفصول المتتابعة إلى فتح أقواس، سرّبت من خلالها تداخلات الحكاية الأصلية مع الأسطورة والرموز الماسونية، على شكل استدراكات وفلاش باك غير تقليدي، إذ لا يُستعاد الماضي حصراً، بل يُطعَّم النص بأحاديث متنوّعة ومسترسلة لا يتيح فيها السارد العليم للقارئ فرصةً لتخيُّل ما قد تسكت عنه الرواية.
تتنوع وتتكثّف هذه الاستدراكات من الأساطير المصرية والفينيقية والإغريقية وصولاً إلى تاريخ الجزائر المعاصر وهُويتها والإشكاليات المتعلقة بها، في محاولة لرسم فسيفساء الواقع الجزائري من جهة. ومن جهة ثانية، تأثيث شغف الرسّام الذي تقوده الروح الصوفية للعودة إلى موطنه، يحثّه في ذلك صديقه الإيطالي إيرمانو برغونتي أستاذ الفنّ المقدس، وذلك بحثًا عن "الرابعة"، والتي سنكتشف لاحقاً أنها ليست سوى طور من أطوار الإلهام الصوفي.
تتقاطع الرواية بشكل مُبَرمج ونصيّ مع أغانٍ أندلسية، وأغاني راي، إضافة إلى أغاني راب معاصرة، انتهاءً بتقاطع مع نصّ "نجمة" لكاتب ياسين. وفي ظلّ هذه "الازدحام" السردي، كان حظّ البناء الدرامي التقليدي ضئيلاً، فتقلّص مثلاً دور المحقّق إبراهيم ومساعده خير الدين، رغم أن إصراراً على كشف ملابسات الجريمة كان واضحاً في نهاية الفصل الأول: "لا بدّ أن نكتشف القاتل".
تحاول الرواية مقاربة الواقع الجزائري الراهن، المعروف بشدّة تقلّبه، وهو خيار لا يفضّله في العادة الروائيون الجزائريون الذين يتّجهون، بدوافع متباينة، إلى الماضي قريبه وبعيده؛ إذ لجأت مثلاً، عبر استعارة رمزية، إلى قصّة جمعية "جزائرنا" أو "معهد أبحاث التراث العربي"، الذي حاول مالكاه استغلال إلياس ومواهبه، في محاكاة لبيروقراطية ثقيلة تصنع يوميات الفرد الجزائري، مشيرةً في الوقت نفسه إلى محنة المثقّف في ظلّ واقع الجزائر السياسي والثقافي.
يتّضح من خلال هذا الخيار، أن النص وظّف الجريمة كنقطة اشتعال اُستعيدت بفضلها قصة إلياس وقصص أخرى، أي أن الرواية كانت بثوب بوليسي حاول أن يشمل بعباءته الواقع الجزائري المضطرب، كما هو الحال مع الرواية البوليسية الحديثة التي أسقطت ثنائية الجريمة/ المحقّق الكلاسيكية، لتستبدلها بقضايا أكثر معاصرة وإلحاحاً.
اقرأ أيضاً: "الرايس" لهاجر قويدري: أصوات الزمن العثماني