"الفيل الأزرق".. الجريمة بلا عقاب

29 ابريل 2014
+ الخط -

يقودنا أحمد مراد، عبر روايته "الفيل الأزرق" (دار الشروق، 2012)، في دهاليز جريمة، ليس من الضروري أن نجد حلاً لها في النهاية. ورغم نزوع الكتابات النقدية التي واكبتها إلى تصنيفها ضمن حقل الرواية البوليسية، إلا أن هذا الوصف يختزلها ويتجاوز مضموناً تحليلياً هاماً.

فالرواية (إحدى الرويات الست في قائمة جائزة البوكر العربية القصيرة) تغوص عميقاً في عوالم مجهولة من النفس البشرية، مستندة على بنية درامية تجعل أحداثها تدور في مصحة نفسية من حيث المبدأ، كما أن الغموض الذي يلفها يحيل إلى عالم الغيب والسحر اللامعقول، عبر انتقالات زمنية، مبهرة، وشديدة الغموض، قد تبعث على الرعب أحياناً، وهو رعب غير اعتيادي، ليس من نمط رعب الأفلام التجارية التي اعتدنا مشاهدتها من نتاجات هوليود. ولعل السبب في ذلك هو الأبعاد المحلية الغارقة في الخرافية، والتي اختار مراد الاستناد إليها مخاطبا قارئاً مصرياً بالأساس، تحتل هذه الخرافات حيزاً واسعاً في بيئته الشعبية، وعقله الجمعي، وسياقه الاجتماعي.

ومن هذا المنطلق، صاغ روايته بتوليفة من علم النفس، والحب، والخيانة، والغفران، والشعوذة والسحر، والإدمان وشقاء النفس البشرية، في عالم متهالك تفتك به سلطة قامعة، حاضرة أو غيبية، ويفقد جوهره، ضمن قالب بوليسي أقرب إلى سيكولوجيا تحديد المجرم ووصفه، كما في نتاجات عالمية معروفة في علم النفس الجنائي. وربما في سياق مشهدية سينمائية، متأثرا بدراسته للتصوير السينمائي، متقناً لعبة الضوء والعتمة على الورق. ولعل هذه التوليفة بالذات هي سر النجاح الذي لاقته هذه الرواية، التي لا نبالغ بالقول إنها تفتح سياقاً جديداً لنوع روائي لم يعتده المشهد العربي.

الرواية الثالثة لأحمد مراد بعد "فيرتيجو" (2005)، و"تراب الماس" (2010)، لم تُظلم فقط باختزالها كرواية بوليسية شعبية رائجة، بل أيضاً في اتهامها بمفارقة الواقع وانحيازها إلى الخيال والفانتازيا، على حساب الهموم المباشرة التي يعيشها الشارع المصري، فيصبح المطلوب من الفن محاكاة الواقع وربما نقله وتصويره حرفياً.

تبدو رواية "الفيل الأزرق" أكثر واقعية من الكثير من الأدب الشعبوي المباشر، وتتجاوز التهمة الملصقة بها، لأن الفن في النهاية إعادة صوغ للواقع، وإمساك بحلقاته غير الملحوظة.

إن متّهمي "مراد" يتجاهلون الوجود الفاضح للمشكلات التي يتناولها. فالمشكلات الشخصية لا محل لها من الإعراب. كأن عوالم الفرد الخاصة ومعاناته الفردية، ليست هي التي تحدد موقعه في مجتمعه وفي العالم.


* كاتب فلسطيني يعيش في مصر
المساهمون