30 ديسمبر 2021
خارطة الطريق بين الشهوة والشهيّة (3 - 3)
تدرك إيزابيل الليندي أن بعض قراء كتابها (أفروديت) لن يكونوا صبورين بما فيه الكفاية، ليستمروا في قراءة الصفحات الطويلة التي تسجل فيها كل ما جمعته عن الصلات الخفية بين بحث فم الإنسان عن الغذاء، وبحثه عن فم آخر للتقبيل، لكنها تصر على الاستطراد في ما تكتبه، ليس فقط من باب الصرامة العلمية التي يجب ألا تغادر صغيرة ولا كبيرة في الموضوع، بل لأنها ـ كما تصارح قارئها ـ تتطلع لتحقيق المزيد من الشهرة، ليس ككاتبة روائية، فقد حققت ذلك بالفعل منذ سنوات، بل كأبرز كاتبة عالمية في الشئون الأفروديتية، معبرة عن ذلك بقولها: "سيأتون من جميع أصقاع الأرض ليستشيروني، وإذا ما ترمّلت فلن ينقصني متطلعون".
حين تستعرض حديث إيزابيل الحميم والممتد عن الأفروديتيات اللذيذة، لا يمكن أن تتجاهل حديثها عن القهوة بكل أنواعها، والتي أصبحت رذيلة عالمية لا يتصور كثيرون الحياة بدونها، ولا يتخيلون يومهم من دون أكبر عدد ممكن من أكوابها، تسجل إيزابيل ملاحظة عن انتشار القهوة المفرط في الولايات المتحدة التي أصبحت وطن إيزابيل الثاني ومنفاها الأول، لكنها تستغرب أن الشهوة الجنسية لدى الشعب الأمريكي ليست ملحوظة برغم وجود اعتقاد بالفاعلية الجنسية للقهوة في شعوب أخرى كثيرة، لكنها لا تفسر ذلك بتفضيل الساسة الأمريكان إفراغ شهواتهم في بقية شعوب الأرض من حين لآخر، وخلال استعراض إيزابيل لتجربتها الأمريكية مع القهوة، تسجل كيف أصبح للقهوة اليوم في مقاهي العالم لغة خاصة تطورت معها، وصارت شبيهة بلغة الأزهار القديمة، مما يجعلها حين تطلب قهوتها كل يوم من المقهى الذي تتردد عليه، تردد اسم قهوتها الذي يشبه تعويذة يسهل على عاملي المقهى فك شفرتها:
(Cap – Grande – decaf – soy – Nan – fat – wet – cin – choc) أو بالعربي غير الفصيح: "كابتشينو خال من الكافيين نصف رغوة ونصف حليب صويا خالية الدسم بالقرفة والشيكولاتة".
من القهوة تنتقل إيزابيل للحديث عن الخبز الذي لا تنصح بصنعه يدوياً لأنه قد يتحول إلى وله خطير، متناسية أن أكل الخبز المصنوع يدوياً هو في الحقيقة وله أخطر يحن إليه من حُرِم منه لأسباب صحية مثل حالاتي، ترى إيزابيل أن الخبز كالشعر إلهام حزين قليلاً، وشرطه الأساسي أن يتوفر الوقت الحر للروح، لأن الشاعر والخبّاز في رأيها أخوان في مهمة تغذية العالم، وهو أمر ستتفق معه بالتأكيد إذا كنت قد جربت التعامل مع خبازين ناقصي المهارة وشعراء عديمي الموهبة. ربما لأن الخبز بحكم التسقية يمت بصلة قرابة للشاي، تتحدث إيزابيل الليندي بعد ذلك عن سحر الشاي الذي تقول إن قدراته الشهوانية تتوقف على إيمان المستهلك بوجود تلك القدرات، وهو أمر ربما يحيلنا إلى العبارة الإعلانية الأشهر في تاريخ الشاي في بلادنا: "ده شاي له نكهة مخصوصة"، التي أربكت كثيراً من المهذبين الذين لم يفهموا سبب الضحكات الخبيثة التي كانت تنطلق ممن حولهم حين سماع تلك العبارة.
تتحدث إيزابيل أيضاً عن شهوانية الشيكولاتة التي اقترنت دائماً بآلهة الخصوبة، وعن العسل شراب الآلهة أفروديت الذي يظل الغذاء الأشهر كمثير جنسي، وهو ما ربطه دائماً بشهر العسل رمز الأفروديتية الحلال في عالمنا، وهو ما جعل ابن سينا الطيب العربي الشهير الذي بقيت وصفاته تستعمل لقرون عدة في العالم ينصح به للضعف الجنسي، ومن قبله جعل الملك سليمان في (نشيد الإنشاد) ينشد لحبيبته: "شفتاك يا عروس تقطران شهدا، تحت لسانك عسلُ ولبنُ ورائحة ثيابك كرائحة لبنان"، وقد كان بالتأكيد يعني رائحة لبنان من غير سياسييه. بالمناسبة تظن إيزابيل أن يوليوس قيصر ومارك انطونيو قد سَمِنا في مرحلة ما في حياتهما بشكل لاحظه المؤرخون وتوقفوا عنده، ليس لأنهما غادرا حياة الثكنات إلى قصور مصر الفارهة بل لإدمانهما لعق خليط العسل واللوز المسحوق الذي تعودت جميلة الجميلات كليوباترا استخدامه لتجميل بشرتها.
أبو الهيلوج وأبو الهيجاء
تحمل إيزابيل الليندي في كتابها خبراً غير سار للنباتيين، مؤكدة أنها بعد الرجوع لعدد كبير من المراجع، أصبحت تمثيل إلى عدم وجود اتفاق علمي على القدرات الإثاريّة للخضروات، لكنها ربما حرصا على عدم كسر خاطر النباتيين، تورد ملخصاً لما ارتبط بالخضروات عبر التاريخ من فوائد افروديتية، بادئة بالثوم الذي تعترف بأنه لا شيئ يثيرها مثل وجوده بين يدى رجل يطبخ، ثم تتحدث عن الأرز رمز الخصوبة الذي يعرف قليلون أن رمى العروسين به عند خروجهما من الكنيسة له في الحقيقة معانٍ جنسية يمكن أن أتطوع بالقول إنها تعبر عن عدد مرات الوصال الحميم التي يتمناها الأهل للعروسين، تتحدث أيضاً عن الباذنجان الذي وصل أوروبا مع الفتح العربي فاعتبروه مثيراً في حين نترفع نحن عليه ولا يعامله أغلبنا بالاحترام اللائق، وعن الطماطم/البندورة التي حملها الأسبان إلى أوروبا فأطلق عليها لقب (تفاح الحب) لوجود ثقة كبيرة بقدرتها على الإثارة.
وقبل أن تستعرض قائمة الخضروات المشكوك في تواتر إثارتها المثيرة، والتي تشمل الجزر واللفت والقمح والكراث والسبانخ والفاصوليا، بل وحتى الخيار الذي وجد من يجبر بخاطره ويضمه إلى القائمة، تتحدث إيزابيل بتركيز أكثر عن البصل وفوائده الجنسية، معتمدة على الشيخ النفزاوي الذي يروي في (الروض العاطر) أن شخصا اسمه أبو الهيلوج بقى مثاراً لمدة ثلاثين يوماً دون انقطاع لمجرد أنه أكل بصلاً، وهو ما يطرح سؤالاً عما حدث للبصل في أيامنا المبتلاة بالمبيدات المسرطنة التي كانت ستقطم هيلوج أبي الهيلوج بالتأكيد، في السياق نفسه تعتمد إيزابيل على رواية أخرى للنفزاوي عن شاب اسمه "أبو الهيجاء"، يقول إنه فض عذرية 80 فتاة في ليلة واحدة بفضل عشاء من الحمص واللحم والبصل وحليب الناقة، لكنها لا تذكر وجه القرابة بين أبي الهيلوج وأبي الهيجاء، الذي يبدو أن مصطلح "الهيجان" المتداول عبر الأجيال، قد تم اشتقاقه من اسمه المريب.
في مديح البيض
لا تستهن أبدا بالبيض. هكذا تنصحك إيزابيل الليندي التي تعتقد أن للبيض في كل بلاد العالم قوى شهوانية ومرممة لما أفسده الدهر، "تمنح الشيوخ شجاعة الفتيان وتشفي من اللا مبالاة العاطفية"، وتستشهد هنا بقصة يرويها الشيخ النفزاوي في (الروض العاطر) عن رجل خارق القدرات الجنسية اسمه ميمون، ظل يمارس لعبة الحب ستين يوماً، دون أن يشبع لأنه لم يكن يتغذى إلا على صفار البيض والخبز، ومن يدري ربما كان ذلك المصدر التراثي الذي خرجت من أجوائه أغنية "الليل الليل يا ميمون.. وكمان الليل وأكون ممنون".
لا يحتاج البيض إلى توصية لدى الباحثين عن الشهوة، فهم لا يقصرون في طلبه، بدءاً من الكافيار بيض السمك ووصولاً إلى بيضة النعامة التي يمكن أن يعتمد عليها رهط من غير الراغبين في دفن رؤوسهم في الرمال. في تشيلي مثلاً تعود الناس دائماً على أكل البيض نيئاً على طريقة المحار، قبل أن يصبح ذلك خطيراً بعد الأمراض المستحدثة التي باعدت بين الكثيرين وبيضهم النيئ أو ناقص التسوية. في رأي إيزابيل "أنبل الطرق لتحضير البيض للقاء شهواني" هي العجّة، تلك الطريقة الأنيقة لتقديم البيض المخفوق بتنويعات لا تحصى، والتي ينسبها الكثيرون إلى الفرنسيين، مع أن إيزابيل تستشهد مجدداً بكتاب (الروض العاطر) لتأكيد أن العرب سبقوا إلى إدراك فوائد العجّة بطرقهم الخاصة، يقول الشيخ النفزاوي فخر العرب: "ومن أراد النكاح الليل كله وأتاه ذلك على غفلة قبل أن يستعمل جميع ما ذكرناه، فيأخذ من البيض قدر ما يجد به شبعاً ثم يقليه مع طاجين، ويضع معه سمناً طرياً أو زبداً ـ تقرأ بالدال طبعاً لأن الخلط في الحروف هنا قد يؤدي إلى نتائج غير سارة ـ ويقليه في النار، حتي يطيب في ذلك السمن ويكون كثيراً ثم يلقى عليه ما يغمره عسلاً ويخلط بعضه على بعض ويأكله بشيئ من الخبز شبعاً فلا ينام في تلك الليلة"، وهي وصفة تتطلب أن يكون لديك إيمان عميق بالتراث العربي لكي تقتنع بإمكانية التقاء البيض بالعسل، وبأن قدرتها على أن تطير النوم من عينيك ستحدث لأسباب إيروتيكية لا هضمية.
قسم الفواكه والمكسرات
من وحي التراث العربي أيضاً تنصح إيزابيل النباتيين وغيرهم باللوز، الذي يذكر فورا بليالي ألف ليلة الماجنة، التي جعلته أكثر عناصر الحلوى العربية شهوانية، تتحدث أيضاً عن غرام كتب التراث الشهوانية في العالم كله بالموز كأكثر الرموز ذكورية، لكنها تنظر إلى ذلك الترميز بتشكك قائلة: "لا أدري من هو الرجل الذي يرغب بتذكر نفسه أصفر ومرقطا، أعتقد أن الموز لا يملك من الأفروديتية غير شكله، لكن هذا أفضل من لا شيي". ومن الموز إلى جوز الهند الذي ليس غريباً أن يرتبط اسمه بالهند لأن الهنود يولونه أهمية خاصة لأنهم يعتقدون أنه بارع في تحسين نوعية وكمية الحيوانات المنوية، ومنه إلى البلح الذي تعادل قبضة منه فائدة وجبة كاملة، والذي يزيد قدرة الرجال ودلع النساء طبقاً لإيزابيل التي ترى أن ذلك ما يجعله وجبة مستقلة في عدد من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ترى إيزابيل أن الإجاص والمشمش شهوانيان لدى الكثير من الشعوب لطيب عرفهما اللذيذ ونسيجهما الناعم ولونهما، وكذلك الحال مع الخوخ الذي يستخدم في الفن الصيني كرمز للأعضاء الحميمة الأنثوية، والرمان الذي وصل إلى أوروبا مع الفتح العربي فاقترن دوما باحتفالات الخصوبة والتين الذي يطلق بعض الأوروبيين اسمه على "الفَرج" لما يفترضونه من تشابه بينهما في الشكل والجمال، والمانجو التي يعتبرها الكثيرون غذاءً ذكورياً، والتفاح الذي يمثل رمز الاغواء لدى الجميع من أيام أبينا آدم "وانت خارج من الجنة"، والسفرجل الذي يرمز إلى افروديت ألهة النشوة القديمة، والعنب المقرون دائما باللذة في كل أدبيات الشهوة والشهية، والفستق الحلبى الذي كانت تستهلكه نساء الحريم وتحرصن على إدراجه في كل أطباق التحلية بإصرار، نظراً لفوائده الحميمة التي لا تعد ولا تحصى.
وصفات ست الحبايب
بعد كل هذه القوائم الأفروديتية التي تستهلك صفحات عديدة من كتابها الممتع، تفرد إيزابيل الليندي صفحات مستقلة لوصفات أفروديتية كتبتها والدتها بانتشيتا، وأضافت إيزابيل لها بعض التعليقات، وقد حرصت على أن أختار لك بعضاً منها، متعمداً اختيار الأطباق التي لن تجد عناءً في توفير مكوناتها، ولن تحتاج للذهاب إلى عطار واسع الثقافة للعثور على توابلها الغريبة، وأرجو أن تجد في هذه الوصفات ما يمتعك ويغذيك، فإن وجدت خيراً فاشكر إيزابيل وأمها ومترجم الكتاب وناقله، وإن لم تجد خيراً فلا تلومن إلا نفسك.
روت إيزابيل لقارئاتها عن أمها، أنها أوردت لهنّ الوصفات التالية:
1 – صلصة إيروسية
قلنا إن البيض أفروديتي. وها أنت تملكين هنا صلصة متمادية في هذا.
المكونات: نصف فنجان مايونيز ـ بيضتان مسلوقتان ـ ملعقتان زيت زيتون ـ ملعقة خل فواح ـ ملقعة طرخون طازج مفورم وناعم صغيرة (ابحث قليلا عن الطرخون) ـ ملعقة ليمون صغيرة ـ ملعقة بصل أخضر مفروم وناعم جدًا ـ ذرة شطة أو ملعقة صغيرة من الخردل ـ ملح.
التحضير: اسحقي البيضتين بالشوكة. تبليهما واخلطيهما جيدًا بالمايونيز وانسى الكوليسترول.
2 – تين الأرمل (مقّبلات)
تدعو هذه اللقيمات إلى الخطيئة وتبدو قليلة دائماً. كل الناس يقدرون شهوانية خلط الحلو بالحار.
المكونات: 180 جرام جبن مانتشي أو جبن ماعز ـ ملعقة صغيرة من الصلصة الحارة ـ 4 حبات تين كبيرة وناضجة ـ تفاحة كبيرة ـ أعواد كوكتيل.
التحضير: قطّعي الجبن إلى مكعبات بحجم سنتيمتر واحد (إزاي ما قالتش؟) ومررّيها بالصلصة الحارة، واغرزيها في التفاحة، ضعيها وسط صحن دائري وأحيطيها بالتين المقشر والمقطع إلى مربعات.
3 – محيى الأموات (شوربة)
تستخدمه إيزابيل في أسرتها للشفاء من البرد، لكنها تؤكد أنه بالإضافة إلى ذلك، والأهم من ذلك، ينشط فعلاً المحبين خائرى القوى.
المكونات: 4 فناجين مرق لحم مصفّى جيدًا، نصف ملعقة كاري صغيرة، كوب شيرى صغير، ذرة من مسحوق الكمون، 4 ملاعق أرز مطبوخ، ملعقة زبيب كوريتنو
التحضير: تبِّلي المرق بالكاري المحلول في قليل من الماء الساخن، أضيفي الكمون وتأكدي من طعم الملح والفلفل الأسود، قدِّميه ساخنا مع الأرز المخلوط بالزبيب المنقوع مسبقا في المرق ذاته.
4 – سلطة الجواري
المكونات: بصلة بيضاء كبيرة مقطعة على شكل شرائح دائرية رقيقة ـ فنجان ماء مغلي ـ ملعقتا خل ـ برتقالتان مقشرتان ومقطعتان إلى شرائح دائرية ـ 4 ملاعق عصير برتقال طبيعي ـ نصف ملعقة عسل نحل ـ ملعقتا زيت زيتون ـ 4 حبات زيتون أسود للزينة ـ 4 أوراق نعناع طازجة ـ ملح وفلفل أبيض وقطرات تاباسكو.
التحضير: انقعي البصل المقطع في ماء ساخن مع الخل والملح والتابسكو لمدة 10 دقائق، أغليها لمدة 3 دقائق، ثم ارفعيها وجففيها على ورق ماصٍ (الصفة هنا تعود على الورق بالطبع لذا لزم التنويه)، ضعي البصل والبرتقال مختلطا في صينية التقديم، احفظيها باردة، وحضّري تابلاً من عصير البرتقال والعسل والزيت ثم صبيه فوق السلطة وزينيها بأوراق النعناع وحبات الزيتون.
5 – دجاجة الرومانسية الطيبة (طبق رئيسي)
سهلة. لكن يجب أن تحضّر قبل يوم.
المكونات: صدر دجاجة ـ ملعقة خل ـ 4 ملاعق زبدة ـ فنجانين ونصف حليب ـ ربع فنجان بصل مفروم دون عصره ـ نصف بصلة كرات مفرومة ـ ملعقة طحين ـ ذرة جوز الطيب ـ ملح وبهار أبيض.
التحضير: اقسمي الصدر إلى قسمين وافركيهما بالخل واتركيهما لمدة 15 دقيقة، بعدها اغسليهما بالماء البارد وتبليهما بالملح والبهار، اقلى الكرات والبهار في ملعقة زبدة، حمّري في هذا الدهن ذاته قطعتي الصدر، ثم أضيفي الحليب الطحين إلى خلاصة الطهي واطهيه على نار هادئة وأنت تحركينه لتتشكل الصلصة. تبليها بجوز الطيب، صبي الصلصة فوق قطعتي الصدر وقدميهما مع الأرز.
6 – باذنجان الشيخ (صحن نباتي مثير)
المكونات: باذنجانة كبيرة ـ بصلة ـ 4 ملاعق زيت زيتون ـ حبتا طماطم ـ سنّ ثوم ـ ذرة قرنفل عطر مسحوق ـ ملعقة سكر صغيرة ـ 3 ملاعق جبن بارمي مبشور ـ ملح وفلفل اسود وزبدة.
التحضير: قطعي البصلة شرائح طولية، وافرمي الثوم، واقليها قليلا بزيت الزيتون، أضيفي القرنفل العطر والسكر والملح والفلفل الأسود، غطي المقلاة واطهيها على نار هادئة لمدة ثلث دقائق، قطعي الباذنجان والبندورة خلال ذلك إلى شرائح دائرية سميكة وسخنيها في الفرن بدرجة حرارة عالية (400 درجة) ثم ضعي الباذنجان في آنية بايركس مدهونة بالزبدة وغطيه بقسم من خليط البصل والثوم، ورشي نصف الجبن ثم الطماطم وبقية البصل والثوم ثم بقية الجبن. ضعي كرات من الزبدة على السطح، وغطي البيوركس بورقة ألمنيوم واطهيها في الفرن لمدة نصف ساعة، ارفعي الورقة واتركيها في الفرن 10 دقائق تقريبا إلى أن يطهى الباذنجان. يقدم مع الأرز لمن استطاع منكم الباءة والهضم.
7 – نهد الغُرّة (الحلو!)
المكونات: فنجان خوخ مفروم ناعم ـ بياض 4 بيضات ـ 4 ملاعق سكر مطحون ـ 4 ملعقة من خلاصة الفانيلا.
التحضير: اخفقي بياض البيضات، ورشي بعد قليل السكر المطحون، أضيفي خلاصة الفانيلا، ثم الخوخ المفروم الناعم، صبيها في قالب مدهون بالزبدة وضعيها في الفرن (نار معتدلة) لمدة ساعة. تقدم مع الكريما الانكليزية أو الكريمة شانتيه، وابقي قابليني.
دفاعاً عن الخطائين
تحت هذا العنوان تكتب إيزابيل الليندي في نهاية كتابها، مدافعة بمحبة وخفة ظل عن شركائها في التجربة الأفروديتية، فتصف صديقها الرسام روبرت شكتر بأنه "لو لا مزاجه الحسن ومعرفته لأصبحت جدَّة جدِّية أكتب مآسٍ"، وتصف أمها بانتشيتا بأنها "هذه المرأة الزاهية التي خلال السنوات الكثيرة التي مضت على صداقتي معها لم أرها تقدم نفس الطبق أبدا، فهي دائما تدخل تنويعا ما وتزينه بأصالة فتتحول ملفوفة عادية بين يديها إلى عمل فني...إنه انتصار الجمال على الندرة"، وهو وصف سيذكرك حتماً بأمهاتنا العظيمات اللواتي طالما كن رائدات لمدرسة انتصار الجمال والفن على الندرة وعلى العيش على القد، الذي لطالما أثبتن أنه لا يتناقض إطلاقاً مع حلاوة النَفَس وإحكام صنعة التقلية، ومنع دموع الأسى والنكد من الجريان على الخد، لتجري بدلاً من ذلك في الصحون "دِمعة" تسر الآكلين.
تشكر إيزابيل أيضاً كارمن بالثلز التي لا تعتبرها مجرد وكيلة أعمال أدبية، بل تعدها شريكة في الاستمتاع بـ"المرق محيى الأموات" أحد المكونات الرئيسية لـ"طبيخ كارمن"، واصفة اشتراكهما في التهام تلك الوجبة الشهوانية بقولها: "بعد عمل مضنٍ في المطبخ نمضى إلى المائدة حيث تستخرج بمغرفتها الكرشة كفوز قدرها وتملأ صحوننا... فنأكل حتى ترتفع الروح في تنهدات، وتتجدد الفضائل الأكثر خفاء في إنسانيتنا الوغدة، بينما يتسرب ذلك الحساء البارك إلى عظامنا، كانساً بضربة واحدة تعب كل الهدر المتراكم في سفر الوجود ومعيدا إلينا شذى سنوات العشرين الجامح".
في نهاية كتابها الممتع الذي أزعم أنني حاولت أن أغنيك عن قراءته إن لم تجد إليه سبيلاً، تنسف إيزابيل الليندي ببساطة شديدة كل ما سبق لها أن كتبته ولكن بنعومة وبساطة، حين تقول بعد كل ما أوردته من قوائم ووصفات وتجارب: "اكتشفت أن الشيئ الوحيد الذي يثيرني إنما هو الحب، رغم أنني ولدت انطباعًا في كتابي أنني للأسف أنتمى إلى هذا النوع من الأشخاص الذين يؤمنون بالحب من النظرة الأولى، وللطامة الكبرى يتزوجون"، وهي بعد تجربة زواج طويلة تتفق مع أوسكار وايلد في أن "الحب سوء فهم متبادل"، لكنها رغم ذلك لم يحدث أن عشقت بحكمة بل دائما كانت تعشق كـ "برق يتركها شائطة"، وكان لديها من الحظ ما يساعدها في الابقاء على لهب العاطفة متأججا أكثر من 6 أشهر.
تؤمن إيزابيل أن "المحبين القدامى مريحون مثل الخُفّ، وقد اكتشفت في عمرى المتقدم متعة الزواج بالخُفّ"، معترفة أنها تزوجت زوجها الحالي لاسباب عملية "ببساطة للحصول على تأشيرة إقامة في الولايات المتحدة"، لكنها ترى أن النتيجة في النهاية أصبحت جيدة لأنه من السهل العيش مع رجل يطبخ مثل رئيس طباخين ويتكلم الأسبانية، ولذلك كانت علاقتها به وحرصها على بقاء تلك العلاقة واحداً من أسباب اهتمامها بموضوع الأفروديتيات، وخلال عام بأكمله، وهو الزمن الذي استغرقته كتابة كتابها، حضّرت فيه إيزابيل كل وصفة من الوصفات الافروديتية، وطبّقت تقريباً كل ما نُصِحت به من أوضاع حميمة، باستثناء وضعية أو أخرى من الكاماسوترا لم تعد تناسب عمرها.
إياكم والنكد
تستنتج إيزابيل الليندي في ختام بحثها الطويل الممتع عن الأفروديتيات أن "الشهية والجنس هما محركا التاريخ الكبيران، يحفظان وينشران النوع، يثيران حروبا وأزماتٍ، يؤثران في الدين والقانون والفن، الخلق كله صيرورة لا تنقطع من الهضم والخصب، كل شيئ يتلخص بأجهزة يلتهم بعضها بعض، معيدة إنتاج ذاتها، ميتة، مخصِّبة الأرض وتتعدد لتولد متحولة إلى دم، مني، عرق، رماد، دموع، وخيال بشري شاعري لا شفاء منه يبحث عن معنى".
تحرص إيزابيل الليندي على أن تؤكد لقرائها، أنها لاتقدم حلولاً سهلة أو وصفات جاهزة تكفى قراءتها وتنفيذها حرفياً لعبور الجسور الخفية بين الشهوة والشهية، ولذا هي تحذرك من تأثير النكد المدمر، فطقطق آذانك واسمعها جيداً حين تقول: ".. لا يكفى الطبخ المثير كي تزهر الشهوة، بل من الضروري خلق جو تسعد فيه الروح لا مكان فيه للكلمات المناقضة أو المزاج المكتئب أو الخور"، ثم تختم كتابها الممتع قائلة: "لا توجد أفروديتية يمكن أن تكون ذات قيمة دون مكِّون الاستحسان الحتمى، الذي بالمضى به إلى الكمال يصبح الحب، لذا آمل ألا ينقصني في المستقبل، وحين لا يعود باستطاعتي ممارسة الحب، ليس نتيجة لا مبالاتي، بل نتيجة عائق عدم وجود من يرغب ممارسته مع جدة. آمل أن أستمر بالتمتع على الأقل بالطعام والذكريات".
أتمنى لكم شهية طيبة وشهوة عارمة بقدر ما تسمح به الظروف والمدخرات والأخبار العاجلة.
حين تستعرض حديث إيزابيل الحميم والممتد عن الأفروديتيات اللذيذة، لا يمكن أن تتجاهل حديثها عن القهوة بكل أنواعها، والتي أصبحت رذيلة عالمية لا يتصور كثيرون الحياة بدونها، ولا يتخيلون يومهم من دون أكبر عدد ممكن من أكوابها، تسجل إيزابيل ملاحظة عن انتشار القهوة المفرط في الولايات المتحدة التي أصبحت وطن إيزابيل الثاني ومنفاها الأول، لكنها تستغرب أن الشهوة الجنسية لدى الشعب الأمريكي ليست ملحوظة برغم وجود اعتقاد بالفاعلية الجنسية للقهوة في شعوب أخرى كثيرة، لكنها لا تفسر ذلك بتفضيل الساسة الأمريكان إفراغ شهواتهم في بقية شعوب الأرض من حين لآخر، وخلال استعراض إيزابيل لتجربتها الأمريكية مع القهوة، تسجل كيف أصبح للقهوة اليوم في مقاهي العالم لغة خاصة تطورت معها، وصارت شبيهة بلغة الأزهار القديمة، مما يجعلها حين تطلب قهوتها كل يوم من المقهى الذي تتردد عليه، تردد اسم قهوتها الذي يشبه تعويذة يسهل على عاملي المقهى فك شفرتها:
(Cap – Grande – decaf – soy – Nan – fat – wet – cin – choc) أو بالعربي غير الفصيح: "كابتشينو خال من الكافيين نصف رغوة ونصف حليب صويا خالية الدسم بالقرفة والشيكولاتة".
من القهوة تنتقل إيزابيل للحديث عن الخبز الذي لا تنصح بصنعه يدوياً لأنه قد يتحول إلى وله خطير، متناسية أن أكل الخبز المصنوع يدوياً هو في الحقيقة وله أخطر يحن إليه من حُرِم منه لأسباب صحية مثل حالاتي، ترى إيزابيل أن الخبز كالشعر إلهام حزين قليلاً، وشرطه الأساسي أن يتوفر الوقت الحر للروح، لأن الشاعر والخبّاز في رأيها أخوان في مهمة تغذية العالم، وهو أمر ستتفق معه بالتأكيد إذا كنت قد جربت التعامل مع خبازين ناقصي المهارة وشعراء عديمي الموهبة. ربما لأن الخبز بحكم التسقية يمت بصلة قرابة للشاي، تتحدث إيزابيل الليندي بعد ذلك عن سحر الشاي الذي تقول إن قدراته الشهوانية تتوقف على إيمان المستهلك بوجود تلك القدرات، وهو أمر ربما يحيلنا إلى العبارة الإعلانية الأشهر في تاريخ الشاي في بلادنا: "ده شاي له نكهة مخصوصة"، التي أربكت كثيراً من المهذبين الذين لم يفهموا سبب الضحكات الخبيثة التي كانت تنطلق ممن حولهم حين سماع تلك العبارة.
تتحدث إيزابيل أيضاً عن شهوانية الشيكولاتة التي اقترنت دائماً بآلهة الخصوبة، وعن العسل شراب الآلهة أفروديت الذي يظل الغذاء الأشهر كمثير جنسي، وهو ما ربطه دائماً بشهر العسل رمز الأفروديتية الحلال في عالمنا، وهو ما جعل ابن سينا الطيب العربي الشهير الذي بقيت وصفاته تستعمل لقرون عدة في العالم ينصح به للضعف الجنسي، ومن قبله جعل الملك سليمان في (نشيد الإنشاد) ينشد لحبيبته: "شفتاك يا عروس تقطران شهدا، تحت لسانك عسلُ ولبنُ ورائحة ثيابك كرائحة لبنان"، وقد كان بالتأكيد يعني رائحة لبنان من غير سياسييه. بالمناسبة تظن إيزابيل أن يوليوس قيصر ومارك انطونيو قد سَمِنا في مرحلة ما في حياتهما بشكل لاحظه المؤرخون وتوقفوا عنده، ليس لأنهما غادرا حياة الثكنات إلى قصور مصر الفارهة بل لإدمانهما لعق خليط العسل واللوز المسحوق الذي تعودت جميلة الجميلات كليوباترا استخدامه لتجميل بشرتها.
أبو الهيلوج وأبو الهيجاء
تحمل إيزابيل الليندي في كتابها خبراً غير سار للنباتيين، مؤكدة أنها بعد الرجوع لعدد كبير من المراجع، أصبحت تمثيل إلى عدم وجود اتفاق علمي على القدرات الإثاريّة للخضروات، لكنها ربما حرصا على عدم كسر خاطر النباتيين، تورد ملخصاً لما ارتبط بالخضروات عبر التاريخ من فوائد افروديتية، بادئة بالثوم الذي تعترف بأنه لا شيئ يثيرها مثل وجوده بين يدى رجل يطبخ، ثم تتحدث عن الأرز رمز الخصوبة الذي يعرف قليلون أن رمى العروسين به عند خروجهما من الكنيسة له في الحقيقة معانٍ جنسية يمكن أن أتطوع بالقول إنها تعبر عن عدد مرات الوصال الحميم التي يتمناها الأهل للعروسين، تتحدث أيضاً عن الباذنجان الذي وصل أوروبا مع الفتح العربي فاعتبروه مثيراً في حين نترفع نحن عليه ولا يعامله أغلبنا بالاحترام اللائق، وعن الطماطم/البندورة التي حملها الأسبان إلى أوروبا فأطلق عليها لقب (تفاح الحب) لوجود ثقة كبيرة بقدرتها على الإثارة.
وقبل أن تستعرض قائمة الخضروات المشكوك في تواتر إثارتها المثيرة، والتي تشمل الجزر واللفت والقمح والكراث والسبانخ والفاصوليا، بل وحتى الخيار الذي وجد من يجبر بخاطره ويضمه إلى القائمة، تتحدث إيزابيل بتركيز أكثر عن البصل وفوائده الجنسية، معتمدة على الشيخ النفزاوي الذي يروي في (الروض العاطر) أن شخصا اسمه أبو الهيلوج بقى مثاراً لمدة ثلاثين يوماً دون انقطاع لمجرد أنه أكل بصلاً، وهو ما يطرح سؤالاً عما حدث للبصل في أيامنا المبتلاة بالمبيدات المسرطنة التي كانت ستقطم هيلوج أبي الهيلوج بالتأكيد، في السياق نفسه تعتمد إيزابيل على رواية أخرى للنفزاوي عن شاب اسمه "أبو الهيجاء"، يقول إنه فض عذرية 80 فتاة في ليلة واحدة بفضل عشاء من الحمص واللحم والبصل وحليب الناقة، لكنها لا تذكر وجه القرابة بين أبي الهيلوج وأبي الهيجاء، الذي يبدو أن مصطلح "الهيجان" المتداول عبر الأجيال، قد تم اشتقاقه من اسمه المريب.
في مديح البيض
لا تستهن أبدا بالبيض. هكذا تنصحك إيزابيل الليندي التي تعتقد أن للبيض في كل بلاد العالم قوى شهوانية ومرممة لما أفسده الدهر، "تمنح الشيوخ شجاعة الفتيان وتشفي من اللا مبالاة العاطفية"، وتستشهد هنا بقصة يرويها الشيخ النفزاوي في (الروض العاطر) عن رجل خارق القدرات الجنسية اسمه ميمون، ظل يمارس لعبة الحب ستين يوماً، دون أن يشبع لأنه لم يكن يتغذى إلا على صفار البيض والخبز، ومن يدري ربما كان ذلك المصدر التراثي الذي خرجت من أجوائه أغنية "الليل الليل يا ميمون.. وكمان الليل وأكون ممنون".
لا يحتاج البيض إلى توصية لدى الباحثين عن الشهوة، فهم لا يقصرون في طلبه، بدءاً من الكافيار بيض السمك ووصولاً إلى بيضة النعامة التي يمكن أن يعتمد عليها رهط من غير الراغبين في دفن رؤوسهم في الرمال. في تشيلي مثلاً تعود الناس دائماً على أكل البيض نيئاً على طريقة المحار، قبل أن يصبح ذلك خطيراً بعد الأمراض المستحدثة التي باعدت بين الكثيرين وبيضهم النيئ أو ناقص التسوية. في رأي إيزابيل "أنبل الطرق لتحضير البيض للقاء شهواني" هي العجّة، تلك الطريقة الأنيقة لتقديم البيض المخفوق بتنويعات لا تحصى، والتي ينسبها الكثيرون إلى الفرنسيين، مع أن إيزابيل تستشهد مجدداً بكتاب (الروض العاطر) لتأكيد أن العرب سبقوا إلى إدراك فوائد العجّة بطرقهم الخاصة، يقول الشيخ النفزاوي فخر العرب: "ومن أراد النكاح الليل كله وأتاه ذلك على غفلة قبل أن يستعمل جميع ما ذكرناه، فيأخذ من البيض قدر ما يجد به شبعاً ثم يقليه مع طاجين، ويضع معه سمناً طرياً أو زبداً ـ تقرأ بالدال طبعاً لأن الخلط في الحروف هنا قد يؤدي إلى نتائج غير سارة ـ ويقليه في النار، حتي يطيب في ذلك السمن ويكون كثيراً ثم يلقى عليه ما يغمره عسلاً ويخلط بعضه على بعض ويأكله بشيئ من الخبز شبعاً فلا ينام في تلك الليلة"، وهي وصفة تتطلب أن يكون لديك إيمان عميق بالتراث العربي لكي تقتنع بإمكانية التقاء البيض بالعسل، وبأن قدرتها على أن تطير النوم من عينيك ستحدث لأسباب إيروتيكية لا هضمية.
قسم الفواكه والمكسرات
من وحي التراث العربي أيضاً تنصح إيزابيل النباتيين وغيرهم باللوز، الذي يذكر فورا بليالي ألف ليلة الماجنة، التي جعلته أكثر عناصر الحلوى العربية شهوانية، تتحدث أيضاً عن غرام كتب التراث الشهوانية في العالم كله بالموز كأكثر الرموز ذكورية، لكنها تنظر إلى ذلك الترميز بتشكك قائلة: "لا أدري من هو الرجل الذي يرغب بتذكر نفسه أصفر ومرقطا، أعتقد أن الموز لا يملك من الأفروديتية غير شكله، لكن هذا أفضل من لا شيي". ومن الموز إلى جوز الهند الذي ليس غريباً أن يرتبط اسمه بالهند لأن الهنود يولونه أهمية خاصة لأنهم يعتقدون أنه بارع في تحسين نوعية وكمية الحيوانات المنوية، ومنه إلى البلح الذي تعادل قبضة منه فائدة وجبة كاملة، والذي يزيد قدرة الرجال ودلع النساء طبقاً لإيزابيل التي ترى أن ذلك ما يجعله وجبة مستقلة في عدد من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ترى إيزابيل أن الإجاص والمشمش شهوانيان لدى الكثير من الشعوب لطيب عرفهما اللذيذ ونسيجهما الناعم ولونهما، وكذلك الحال مع الخوخ الذي يستخدم في الفن الصيني كرمز للأعضاء الحميمة الأنثوية، والرمان الذي وصل إلى أوروبا مع الفتح العربي فاقترن دوما باحتفالات الخصوبة والتين الذي يطلق بعض الأوروبيين اسمه على "الفَرج" لما يفترضونه من تشابه بينهما في الشكل والجمال، والمانجو التي يعتبرها الكثيرون غذاءً ذكورياً، والتفاح الذي يمثل رمز الاغواء لدى الجميع من أيام أبينا آدم "وانت خارج من الجنة"، والسفرجل الذي يرمز إلى افروديت ألهة النشوة القديمة، والعنب المقرون دائما باللذة في كل أدبيات الشهوة والشهية، والفستق الحلبى الذي كانت تستهلكه نساء الحريم وتحرصن على إدراجه في كل أطباق التحلية بإصرار، نظراً لفوائده الحميمة التي لا تعد ولا تحصى.
وصفات ست الحبايب
بعد كل هذه القوائم الأفروديتية التي تستهلك صفحات عديدة من كتابها الممتع، تفرد إيزابيل الليندي صفحات مستقلة لوصفات أفروديتية كتبتها والدتها بانتشيتا، وأضافت إيزابيل لها بعض التعليقات، وقد حرصت على أن أختار لك بعضاً منها، متعمداً اختيار الأطباق التي لن تجد عناءً في توفير مكوناتها، ولن تحتاج للذهاب إلى عطار واسع الثقافة للعثور على توابلها الغريبة، وأرجو أن تجد في هذه الوصفات ما يمتعك ويغذيك، فإن وجدت خيراً فاشكر إيزابيل وأمها ومترجم الكتاب وناقله، وإن لم تجد خيراً فلا تلومن إلا نفسك.
روت إيزابيل لقارئاتها عن أمها، أنها أوردت لهنّ الوصفات التالية:
1 – صلصة إيروسية
قلنا إن البيض أفروديتي. وها أنت تملكين هنا صلصة متمادية في هذا.
المكونات: نصف فنجان مايونيز ـ بيضتان مسلوقتان ـ ملعقتان زيت زيتون ـ ملعقة خل فواح ـ ملقعة طرخون طازج مفورم وناعم صغيرة (ابحث قليلا عن الطرخون) ـ ملعقة ليمون صغيرة ـ ملعقة بصل أخضر مفروم وناعم جدًا ـ ذرة شطة أو ملعقة صغيرة من الخردل ـ ملح.
التحضير: اسحقي البيضتين بالشوكة. تبليهما واخلطيهما جيدًا بالمايونيز وانسى الكوليسترول.
2 – تين الأرمل (مقّبلات)
تدعو هذه اللقيمات إلى الخطيئة وتبدو قليلة دائماً. كل الناس يقدرون شهوانية خلط الحلو بالحار.
المكونات: 180 جرام جبن مانتشي أو جبن ماعز ـ ملعقة صغيرة من الصلصة الحارة ـ 4 حبات تين كبيرة وناضجة ـ تفاحة كبيرة ـ أعواد كوكتيل.
التحضير: قطّعي الجبن إلى مكعبات بحجم سنتيمتر واحد (إزاي ما قالتش؟) ومررّيها بالصلصة الحارة، واغرزيها في التفاحة، ضعيها وسط صحن دائري وأحيطيها بالتين المقشر والمقطع إلى مربعات.
3 – محيى الأموات (شوربة)
تستخدمه إيزابيل في أسرتها للشفاء من البرد، لكنها تؤكد أنه بالإضافة إلى ذلك، والأهم من ذلك، ينشط فعلاً المحبين خائرى القوى.
المكونات: 4 فناجين مرق لحم مصفّى جيدًا، نصف ملعقة كاري صغيرة، كوب شيرى صغير، ذرة من مسحوق الكمون، 4 ملاعق أرز مطبوخ، ملعقة زبيب كوريتنو
التحضير: تبِّلي المرق بالكاري المحلول في قليل من الماء الساخن، أضيفي الكمون وتأكدي من طعم الملح والفلفل الأسود، قدِّميه ساخنا مع الأرز المخلوط بالزبيب المنقوع مسبقا في المرق ذاته.
4 – سلطة الجواري
المكونات: بصلة بيضاء كبيرة مقطعة على شكل شرائح دائرية رقيقة ـ فنجان ماء مغلي ـ ملعقتا خل ـ برتقالتان مقشرتان ومقطعتان إلى شرائح دائرية ـ 4 ملاعق عصير برتقال طبيعي ـ نصف ملعقة عسل نحل ـ ملعقتا زيت زيتون ـ 4 حبات زيتون أسود للزينة ـ 4 أوراق نعناع طازجة ـ ملح وفلفل أبيض وقطرات تاباسكو.
التحضير: انقعي البصل المقطع في ماء ساخن مع الخل والملح والتابسكو لمدة 10 دقائق، أغليها لمدة 3 دقائق، ثم ارفعيها وجففيها على ورق ماصٍ (الصفة هنا تعود على الورق بالطبع لذا لزم التنويه)، ضعي البصل والبرتقال مختلطا في صينية التقديم، احفظيها باردة، وحضّري تابلاً من عصير البرتقال والعسل والزيت ثم صبيه فوق السلطة وزينيها بأوراق النعناع وحبات الزيتون.
5 – دجاجة الرومانسية الطيبة (طبق رئيسي)
سهلة. لكن يجب أن تحضّر قبل يوم.
المكونات: صدر دجاجة ـ ملعقة خل ـ 4 ملاعق زبدة ـ فنجانين ونصف حليب ـ ربع فنجان بصل مفروم دون عصره ـ نصف بصلة كرات مفرومة ـ ملعقة طحين ـ ذرة جوز الطيب ـ ملح وبهار أبيض.
التحضير: اقسمي الصدر إلى قسمين وافركيهما بالخل واتركيهما لمدة 15 دقيقة، بعدها اغسليهما بالماء البارد وتبليهما بالملح والبهار، اقلى الكرات والبهار في ملعقة زبدة، حمّري في هذا الدهن ذاته قطعتي الصدر، ثم أضيفي الحليب الطحين إلى خلاصة الطهي واطهيه على نار هادئة وأنت تحركينه لتتشكل الصلصة. تبليها بجوز الطيب، صبي الصلصة فوق قطعتي الصدر وقدميهما مع الأرز.
6 – باذنجان الشيخ (صحن نباتي مثير)
المكونات: باذنجانة كبيرة ـ بصلة ـ 4 ملاعق زيت زيتون ـ حبتا طماطم ـ سنّ ثوم ـ ذرة قرنفل عطر مسحوق ـ ملعقة سكر صغيرة ـ 3 ملاعق جبن بارمي مبشور ـ ملح وفلفل اسود وزبدة.
التحضير: قطعي البصلة شرائح طولية، وافرمي الثوم، واقليها قليلا بزيت الزيتون، أضيفي القرنفل العطر والسكر والملح والفلفل الأسود، غطي المقلاة واطهيها على نار هادئة لمدة ثلث دقائق، قطعي الباذنجان والبندورة خلال ذلك إلى شرائح دائرية سميكة وسخنيها في الفرن بدرجة حرارة عالية (400 درجة) ثم ضعي الباذنجان في آنية بايركس مدهونة بالزبدة وغطيه بقسم من خليط البصل والثوم، ورشي نصف الجبن ثم الطماطم وبقية البصل والثوم ثم بقية الجبن. ضعي كرات من الزبدة على السطح، وغطي البيوركس بورقة ألمنيوم واطهيها في الفرن لمدة نصف ساعة، ارفعي الورقة واتركيها في الفرن 10 دقائق تقريبا إلى أن يطهى الباذنجان. يقدم مع الأرز لمن استطاع منكم الباءة والهضم.
7 – نهد الغُرّة (الحلو!)
المكونات: فنجان خوخ مفروم ناعم ـ بياض 4 بيضات ـ 4 ملاعق سكر مطحون ـ 4 ملعقة من خلاصة الفانيلا.
التحضير: اخفقي بياض البيضات، ورشي بعد قليل السكر المطحون، أضيفي خلاصة الفانيلا، ثم الخوخ المفروم الناعم، صبيها في قالب مدهون بالزبدة وضعيها في الفرن (نار معتدلة) لمدة ساعة. تقدم مع الكريما الانكليزية أو الكريمة شانتيه، وابقي قابليني.
دفاعاً عن الخطائين
تحت هذا العنوان تكتب إيزابيل الليندي في نهاية كتابها، مدافعة بمحبة وخفة ظل عن شركائها في التجربة الأفروديتية، فتصف صديقها الرسام روبرت شكتر بأنه "لو لا مزاجه الحسن ومعرفته لأصبحت جدَّة جدِّية أكتب مآسٍ"، وتصف أمها بانتشيتا بأنها "هذه المرأة الزاهية التي خلال السنوات الكثيرة التي مضت على صداقتي معها لم أرها تقدم نفس الطبق أبدا، فهي دائما تدخل تنويعا ما وتزينه بأصالة فتتحول ملفوفة عادية بين يديها إلى عمل فني...إنه انتصار الجمال على الندرة"، وهو وصف سيذكرك حتماً بأمهاتنا العظيمات اللواتي طالما كن رائدات لمدرسة انتصار الجمال والفن على الندرة وعلى العيش على القد، الذي لطالما أثبتن أنه لا يتناقض إطلاقاً مع حلاوة النَفَس وإحكام صنعة التقلية، ومنع دموع الأسى والنكد من الجريان على الخد، لتجري بدلاً من ذلك في الصحون "دِمعة" تسر الآكلين.
تشكر إيزابيل أيضاً كارمن بالثلز التي لا تعتبرها مجرد وكيلة أعمال أدبية، بل تعدها شريكة في الاستمتاع بـ"المرق محيى الأموات" أحد المكونات الرئيسية لـ"طبيخ كارمن"، واصفة اشتراكهما في التهام تلك الوجبة الشهوانية بقولها: "بعد عمل مضنٍ في المطبخ نمضى إلى المائدة حيث تستخرج بمغرفتها الكرشة كفوز قدرها وتملأ صحوننا... فنأكل حتى ترتفع الروح في تنهدات، وتتجدد الفضائل الأكثر خفاء في إنسانيتنا الوغدة، بينما يتسرب ذلك الحساء البارك إلى عظامنا، كانساً بضربة واحدة تعب كل الهدر المتراكم في سفر الوجود ومعيدا إلينا شذى سنوات العشرين الجامح".
في نهاية كتابها الممتع الذي أزعم أنني حاولت أن أغنيك عن قراءته إن لم تجد إليه سبيلاً، تنسف إيزابيل الليندي ببساطة شديدة كل ما سبق لها أن كتبته ولكن بنعومة وبساطة، حين تقول بعد كل ما أوردته من قوائم ووصفات وتجارب: "اكتشفت أن الشيئ الوحيد الذي يثيرني إنما هو الحب، رغم أنني ولدت انطباعًا في كتابي أنني للأسف أنتمى إلى هذا النوع من الأشخاص الذين يؤمنون بالحب من النظرة الأولى، وللطامة الكبرى يتزوجون"، وهي بعد تجربة زواج طويلة تتفق مع أوسكار وايلد في أن "الحب سوء فهم متبادل"، لكنها رغم ذلك لم يحدث أن عشقت بحكمة بل دائما كانت تعشق كـ "برق يتركها شائطة"، وكان لديها من الحظ ما يساعدها في الابقاء على لهب العاطفة متأججا أكثر من 6 أشهر.
تؤمن إيزابيل أن "المحبين القدامى مريحون مثل الخُفّ، وقد اكتشفت في عمرى المتقدم متعة الزواج بالخُفّ"، معترفة أنها تزوجت زوجها الحالي لاسباب عملية "ببساطة للحصول على تأشيرة إقامة في الولايات المتحدة"، لكنها ترى أن النتيجة في النهاية أصبحت جيدة لأنه من السهل العيش مع رجل يطبخ مثل رئيس طباخين ويتكلم الأسبانية، ولذلك كانت علاقتها به وحرصها على بقاء تلك العلاقة واحداً من أسباب اهتمامها بموضوع الأفروديتيات، وخلال عام بأكمله، وهو الزمن الذي استغرقته كتابة كتابها، حضّرت فيه إيزابيل كل وصفة من الوصفات الافروديتية، وطبّقت تقريباً كل ما نُصِحت به من أوضاع حميمة، باستثناء وضعية أو أخرى من الكاماسوترا لم تعد تناسب عمرها.
إياكم والنكد
تستنتج إيزابيل الليندي في ختام بحثها الطويل الممتع عن الأفروديتيات أن "الشهية والجنس هما محركا التاريخ الكبيران، يحفظان وينشران النوع، يثيران حروبا وأزماتٍ، يؤثران في الدين والقانون والفن، الخلق كله صيرورة لا تنقطع من الهضم والخصب، كل شيئ يتلخص بأجهزة يلتهم بعضها بعض، معيدة إنتاج ذاتها، ميتة، مخصِّبة الأرض وتتعدد لتولد متحولة إلى دم، مني، عرق، رماد، دموع، وخيال بشري شاعري لا شفاء منه يبحث عن معنى".
تحرص إيزابيل الليندي على أن تؤكد لقرائها، أنها لاتقدم حلولاً سهلة أو وصفات جاهزة تكفى قراءتها وتنفيذها حرفياً لعبور الجسور الخفية بين الشهوة والشهية، ولذا هي تحذرك من تأثير النكد المدمر، فطقطق آذانك واسمعها جيداً حين تقول: ".. لا يكفى الطبخ المثير كي تزهر الشهوة، بل من الضروري خلق جو تسعد فيه الروح لا مكان فيه للكلمات المناقضة أو المزاج المكتئب أو الخور"، ثم تختم كتابها الممتع قائلة: "لا توجد أفروديتية يمكن أن تكون ذات قيمة دون مكِّون الاستحسان الحتمى، الذي بالمضى به إلى الكمال يصبح الحب، لذا آمل ألا ينقصني في المستقبل، وحين لا يعود باستطاعتي ممارسة الحب، ليس نتيجة لا مبالاتي، بل نتيجة عائق عدم وجود من يرغب ممارسته مع جدة. آمل أن أستمر بالتمتع على الأقل بالطعام والذكريات".
أتمنى لكم شهية طيبة وشهوة عارمة بقدر ما تسمح به الظروف والمدخرات والأخبار العاجلة.