يوم سقط لبنان في فخ كورونا
ليس إنجازاً أن تضع أي دولة خطةً واضحةً واستراتيجيةً رابحةً في مواجهة وباءٍ عالميّ مثل كورونا، فهذا أضعف الإيمان. يوم قرّرت الدولة اللبنانية الاحتفال باكراً باحتوائها الفيروس وتوهّمت أنها سيطرت عليه، سقطت في فخّه سقطةً مدويةً.
في إبريل/ نيسان الماضي، يوم كانت أنظار العالم شاخصةً نحو إيطاليا وإسبانيا، اللتين تحوّلتا إلى نموذج يُضرب به المثل كلّما تحدثنا عن سيناريوهات مخيفة لتفشي الوباء، كتبت صحيفة "واشنطن بوست" تقريراً عن لبنان، أشادت فيه بطريقة تعامله مع الجائحة التي عاثت جنوناً في العالم. يومها، قالت الصحيفة الأميركية متعجبةً، إن لبنان، البلد المضطرب، الذي يتأرجح على شفا الخراب الاقتصادي والفوضى السياسية، قد فعل، بطريقة ما، أمراً صحيحاً في ما يتعلّق فيروس كورونا.
أصيب لبنان، هذا البلد الصغير في خاصرة الشرق الأوسط، وحكامه، بالغرور، حتّى ظنّوا أنّهم استطاعوا احتواء وباء كان العلماء حول العالم يتسابقون لمحاولة فهمه، وإيجاد علاجٍ له، ولقاحٍ يكبح انتشاره.
في يونيو/ حزيران، انتشر فيديو لوزير الصحة حمد حسن، محمولاً على الأكتاف في مدينة بعلبك ثمّ راح يرقص "الدبكة"، في حفل تكريمي أقيم على شرفه، "تقديراً لجهوده ونجاحه في مكافحة فيروس كورونا"، ضارباً عرض الحائط بكلّ التدابير الوقائية التي أمضى أشهراً مع فريق عمله والإعلام اللبناني في محاولة نشر التوعية حولها، والتنبيه من خطر الفيروس.
يوم قرّرت الدولة اللبنانية الاحتفال باكراً باحتوائها الفيروس وتوهّم أنها سيطرت عليه، سقطت في فخّه سقطةً مدويةً
وتتالت بعدها القرارات العشوائية. إقفال ثمّ فتح للبلاد، فإقفال واستثناءات. قرارٌ بتسيير السيارات وفق نظام المفرد والمجوز، من دون خططٍ للتعويض عن الفئات الأكثر هشاشةً وحاجةً، بموازاة ارتفاعٍ جنوني بسعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، وانهيار القدرة الشرائية لدى المواطنين، وازدياد نسب الفقر. كلّ هذا والخلافات تكبر داخل اللجنة المكلفة متابعة الملف. حتى وصلنا إلى موسم الأعياد، وبات إرضاء القطاع السياحي، الذي يرزح تحت عبء الانهيار الاقتصادي أيضاً، ومعه الهيئات الاقتصادية والمتنفذون، وإدخال الدولارات الطازجة، واستقطاب المغتربين والراغبين في السهر من دون ضوابط، أولويةً تسبق مراعاة الجسم الطبي والقطاع الصحي، حتى بات الأخير قاب قوسين أو أدنى من الانهيار.
وتزامن هذا الانفلات أيضاً مع قراراتٍ أشبه بـ"تثبيت وجود" للدولة لا أكثر، فاختارت فرض حظر تجوّل بين الساعة الثالثة والخامسة فجراً، مع السماح بفتح الملاهي والحانات من دون رقص! لكن يكفي أن تزور مواقع التواصل الاجتماعي حتى تعي حجم التزام القرار الذي أثار سخرية كثيرين.
يدقّ لبنان اليوم ناقوس الخطر. بات الحديث عن سيناريو كورونا اللبناني أمراً واقعاً، وإنّ غداً لناظره قريب. أتعجّب فقط ممّن كانوا ينتظرون من مسؤولين سكتوا لسنوات عن أطنان من نترات الأمونيوم مخزّنة في مرفأ بيروت، وانفجرت بسكان العاصمة في 4 أغسطس/ آب المشؤوم، أن يتّخذوا قرارات صارمة تكبح جماح كورونا، ومعه جماح المؤمنين بنظريات المؤامرة، ومن لم يعوا حتى الآن جدية الفيروس القاتل.
يُقال إن "الرزق السايب يعلّم الناس الحرام"، فما بالكم إذا كانت الدولة "سايبة"، وهناك من اعتادوا "الحرام" في بلدٍ بتنا فيه "أحياء الصدف" لا أكثر؟