سنة أولى اكتئاب
طويت هذا الشهر عامي الأول مع الاكتئاب. أنظر اليوم إلى صوري قبل عامٍ وأكاد لا أعرفني. كان الاكتئاب وقتها قد أصبح واضحاً على ملامح وجهي. لم تعد ابتسامة كاذبة قادرة على إخفاء ما أشعر به.
كان البكاء يباغتني في أماكن وأوقات غريبة. لم أكن أقوى على البقاء في مكانٍ واحدٍ لفترة طويلة، إلا في سريري، الذي بتّ أشاطره عملي في أوقات العمل، ورغبتي بالاختفاء في باقي الأوقات.
يأتي الاكتئاب بأشكالٍ مختلفة. ثمّة من يصعب عليه القيام بأبسط الأمور، كالنهوض من الفراش. هنالك من يعاني من "الاكتئاب الضاحك". أمّا أنا، ففقدت الشغف، وثقتي بنفسي، وأصبحت انطوائية وعدائية.
أذكر أنّني قبل أن ألجأ للطبيب النفسي، كنت في قمة عطائي ونجاحي المهني، لكنّني كنت أرى نفسي فاشلة وعاجزة! يقولون إن العقل يصدّق ما نخبره إيّاه. تخيّل أن تقول لنفسك يومياً مثلاً إنّك غبي؟!
قبل عامٍ شعرت بأنّني عاجزة عن الخروج من بقعة الظلام التي حاوطتني بعد بدء جائحة كورونا بقليل. أصبحت أرى كلّ ما حولي سوداوياً. يعرف المرء عندما يبلغ أسفل دركه، لكنّه يحتاج شجاعةً ليعترف أمام نفسه أولاً بأنه بحاجة إلى المساعدة. أعتبر نفسي شخصاً محظوظاً. لم يسمح لي أصدقائي، وهم الجزء الأهمّ في رحلة شفائي، بالاستسلام، رغم رغبتي الشديدة فيه.
على بُعد سنة من زيارتي الأولى للطبيب النفسي، لم أنتصر على الاكتئاب ربّما، لكنّني أصبحت أفعل أموراً رغماً عن أنف الاكتئاب، كأن أبتسم لصباح خريفي نسيتُ كم كان يفرحني...
استفقت يوماً، وقررت بدء رحلة العلاج النفسي. لا أذكر يومها ما الذي حفزني عليها، أو كيف اتخذت القرار، أنا المعروفة بين الأصدقاء بالمتردّدة، وبأنّني أعاني لاتخاذ قرار مهما كان سخيفاً. كانت جلسات العلاج عبارة عن نوبات بكاء، وحديث متقطع.
أذكر أنّ المعالجة النفسية طلبت منّي في إحدى المرات أن أمسك بيدي عندما كنتُ طفلةً، وأسديها بعض النصائح. يا الله كم بكيتُ يومها! بكيتُ لدرجة أنّني قررت وقف العلاج النفسي التحليلي، والتحوّل نحو العلاج النفسي السلوكي. لست جاهزة بعد لنبش دفاتر الماضي. أريد مواجهة الحياة دون خوف. أريد أن أكمل حديثاً دون أن يقاطعني البكاء. أريد أن أتنفّس!
كان هذا ما دفعني إلى زيارة الطبيب النفسي، بحثاً عن راحة قد أجدها في حبّة دواء. "تعانين من اكتئاب حاد". قالها الطبيب، مخيّراً إياي بين بدء مضادات الاكتئاب، الاستمرار بالعلاج النفسي، أو القيام بالأمرين معاً. قبل سنوات، لم أكن لألجأ إلى أدوية العلاج النفسي. كنت بعد أصدّق المفاهيم الخاطئة عن مضادات الاكتئاب وأدوية الصحة النفسية، والعلاجات. لكنّني اليوم، على بُعد سنة من زيارتي الأولى للطبيب النفسي، أجدني قد صاحبت حبّة دواء، باتت هي الصديق والسند الذي أخرجني شيئاً فشيئاً من عتمتي.
على بُعد سنة من زيارتي الأولى للطبيب النفسي، لم أنتصر على الاكتئاب ربّما، لكنّني أصبحت أفعل أموراً رغماً عن أنف الاكتئاب، كأن أبتسم لصباح خريفي نسيتُ كم كان يفرحني...