هل ماتت اللاءات العربية الثلاث؟
خلال زيارة وزير خارجية الكيان الصهيوني، إيلي كوهين، إلى الخرطوم ولقائه برئيس مجلس السيادة السوداني، عبدالفتاح البرهان، أعلن الوزير الصهيوني عن عودته بـ"نعم" ثلاث مرات، في إشارة صريحة إلى دفن اللاءات الثلاث التي أعلنتها الدول العربية في وجه إسرائيل من العاصمة الخرطوم عام 1967.
كانت اللاءات الثلاث آنذاك تعبّر عن رفض السلام والتفاوض والاعتراف بالكيان الصهيوني، وجاءت في سياق الهزيمة المذلّة عام 1967، كردّة فعل عاطفية على الهزيمة ولامتصاص الغضب الشعبي، لا كفعل مدروس ومخطّط له لاستعادة الأراضي المحتلة.
تبدو مسألة اللاءات الثلاث هذه مدفونة منذ عقود بالنسبة للأنظمة، بعد تطبيع أنظمة مصر والأردن المعلن مع الكيان، والتفاهمات غير المعلنة بين الكيان وأنظمة أخرى، لكن الجانب الصهيوني حريص على استثمار التطبيع مع السودان للإشارة إلى مسألة اللاءات وإعلان انتصاره عليها، ولو من منظور رمزي، وهو ما أشار إليه مستشار الرئيس الأميركي السابق، جاريد كوشنر، في مذكراته التي صدرت مؤخراً، إذ يقول إنّ انضمام السودان لاتفاقيات التطبيع يحمل "قيمة رمزية".
لم تعد القضية الفلسطينية تعني شيئاً لبعض الأنظمة العربية التي تاجرت بها لعقود طويلة أمام شعوبها، إذ تعتقد أنّ الشعوب لم تعد تملك أي تأثير أو مساءلة لها، خاصة بعد سحق ثوراتها بالقوة والعنف، ومن ثم لم تعد تخشى هذه النظم ردّة الفعل الشعبية، ولا ضجيج المظاهرات إن خرجت، ولذا لن يكون غريباً أن تنضم أنظمة أخرى إلى اتفاقيات التطبيع مع الكيان الغاصب بشكل معلن.
إذا كان التطبيع نقطة خلاف بين النظم العربية من جهة وإيران وحلفائها من جهة ثانية، إلا أن الطرفين يتفقان على التنكيل بالشعوب العربية وسحقها مع اختلاف الدوافع
وبالحديث عن اللاءات الثلاث التي لم تعد خيارات النظم العربية، يمكن القول إنها ما زالت خياراً للشعوب، وإن غدت لا تملك من أمرها شيئاً، لكنها على الأقل تأمل خيراً في قوة المقاومة الفلسطينية التي لا تزال تشتبك مع الكيان بين حين وآخر، مع الإشارة إلى أنّ هذه المقاومة بشقها الفصائلي التقليدي بدأت تفقد ثقة الشعوب بها، نتيجة تطبيعها وتحالفاتها الوثيقة مع العمامة الإيرانية وأتباعها ممن تسبّبوا بقتل مئات آلاف الأبرياء وتهجيرهم من منازلهم، تماماً كما تفعل إسرائيل بالفلسطينيين.
في الوقت الراهن، تجد القضية الفلسطينية نفسها محشورة في زاوية ضيقة، فبعض الأنظمة العربية تهرول للاعتراف بإسرائيل، وتعتبر أنّ التهديد الإيراني أكثر خطراً عليها، فيما الفصائل الفلسطينية المقاومة تهرول للارتماء في الحضن الإيراني، ومباركة سياسة إيران وأتباعها في العراق وسورية واليمن ولبنان نكاية بالتطبيع الرسمي، أما الشعوب فقد وقعت في أخدود من القتل والدمار، تشرف عليه الأنظمة العربية وإيران، ومن خلفهما قوى أخرى. فإذا كان التطبيع نقطة خلاف بين النظم العربية من جهة وإيران وحلفائها من جهة ثانية، إلا أن الطرفين يتفقان على التنكيل بالشعوب العربية وسحقها مع اختلاف الدوافع.
وحتى لا أكون متشائماً، فإنني أثق بالله، وبأنّ المستقبل القريب سيحمل انفراجة للقضية الفلسطينية، على أيدي جيل جديد يحمل روح المقاومة الشريفة، يبغض الأنظمة الرسمية وسياساتها، والعمامة الإيرانية وعملاءها. جيل لا توقفه الأجندة السياسية للأنظمة، ولا تحرّكه أجندة إيران أو أي دول أخرى، ولكن يتوقف ويتحرّك انطلاقاً من الإيمان والعقيدة، بوجوب تحرير أرضه ومقدساته، بعيداً عن العنتريات و"اللاءات والنعَمَات".