عندما ضاعت بوصلتي في حلب!

23 ديسمبر 2017
+ الخط -
قبل اندلاع الثورات العربية، وعندما كانت وسائل الإعلام تعرض المجازر الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني، كنا نخرج في مظاهرات حاشدة، ونكتب عبارات غاضبة، رفضاً لما يحدث، انطلاقاً من إيماننا بأن القضية الفلسطينية هي قضيتنا الأولى، ونفس الأمر ينطبق على بقية القضايا الإسلامية الأخرى، كقضيتي العراق وأفغانستان وغيرهما.

لكن بعد اندلاع الثورات العربية، وتكاثر المآسي في أكثر من بلد عربي، أصبح كثيرون يتحدثون عن أوطانهم ويوميات القهر، دون التطرق لمآسي الآخرين في المناطق المجاورة، إذ إن ما عاشوه من المآسي كان كفيلاً بحصر التضامن في نطاق معين، دون أن يعني ذلك بالضرورة التخلي عن القضايا الإنسانية الأخرى.

شخصياً، كنت متحمساً لجميع الثورات العربية، وكنت أهتم بمتابعة أخبارها كلها دون استثناء، لكن النجاح المؤقت لبعض الثورات، وبقاء أخرى في دائرة المأساة والدم زاد من اهتمامي بها، والتفاعل الإنساني معها، كالثورة السورية وما عاشته من أحداث ومجازر عظام، استدعت معها حالة من الاهتمام بما يتناسب مع حجمها.

في يونيو 2016، وبينما كان الثوار يخوضون معركة فك الحصار عن مدينة حلب، كنت أتفاعل مع ما يحدث عبر صفحتي الشخصية في فيسبوك، خصوصاً أن تلك المعركة رافقتها مجازر وحشية لنظام الأسد، والطيران الروسي في عدة أحياء، ولأنني كنت أقيم في مدينة تعز، كان من البديهي أن أتلقى انتقادات من زملاء صحافيين، بضرورة الاهتمام بالقضية اليمنية، باعتبارها أولوية في المرحلة الراهنة، وما زلت أتذكر أن بعضهم كانوا يطلق علي اسم منذر الحلبي، لما رأوه من اهتمام مبالغ فيه بقضية حلب حسب توصيفهم، في حين كان الاهتمام بالنسبة لي أمراً طبيعياً يمليه الضمير الإنساني، الذي يجاوز الحدود الجغرافية، لينتصر للإنسان ولو بكلمات معدودة، وحروف معبرة.

فرحت لفك الحصار عن حلب، وحزنت عندما عاد مرة أخرى، لكن هذه المرة كان الحصار الأخير للمدينة قبل أن تسقط بيد العصابات الموالية للنظام، بإسناد إيراني وروسي.

في اللحظات التي جرى فيها الإعلان عن حصار آلاف المدنيين داخل مساحة لا تتجاوز أربعة كيلومترات مربعة، وتوارد الأنباء عن مجازر بحق المدنيين، تفاعلت بكل ألم عما يجول في داخلي من حرقة، أضحت حلب مدينتي كما لم تكن من قبل، وتاهت بوصلتي في أحيائها المتداخلة، وهي ترزح تحت وطأة الغارات الجوية، عشت اللحظات العصيبة مع المحاصرين بمشاعري، كنت أحدهم وإن لم أكن بينهم.

كانت ملامح القهر ترسم نفسها في وجهي وأنا أشاهد اللحظات الأخيرة للمهجرين، وهم يودعون مدينتهم، وقد كتب عليهم الخروج منها بالإكراه، توالت الأسئلة: لماذا قدر هذه المدينة العتيقة أن تصبح تحت سطوة جلاد ويهجّر منها سكانها الأصليين؟ هل هناك قيمة لقوانين حقوق الإنسان وقد أخرج أهالي حلب من منازلهم بالإكراه؟ ثم هل سقطت حلب كمدينة أم الإنسانية كقيم؟
6C7DC4AF-D528-4190-9501-FFDC38994EBB
منذر فؤاد
كاتب ومدوّن، يسعى لأن يكون صوتاً للمظلومين، سوطاً على الظالمين.