هل تم تسميم عقل الرجل ليفرّ هارباً من الزواج؟
في الشهر الماضي تحدثت إليّ صديقتي رولا، وهي تبكي وتلعن الذكور وتشتم الذكريات قائلة إنه اكتشف الآن بعد 4 أعوام أنه لا يريد الزواج فانسحب ببساطة.
ولأنّني أحبّ التحليل النفسيّ نوعاً ما وأستمتع بتحليل الشخصيات المعقدة، وخاصةً النرجسية، جلست أسمعها بتمعن شديد لتسرد لي بعض المواقف عن ضربها مثلاً، عن بخله الشديد وعدم مسؤوليته، عن تخليها عن هواياتها وقصصها الخاصة، عن مرور عيد ميلادها مرور الكرام دون أيّة هدية تذكارية أو معنوية، لقد سردت لي علاقاته المتطرفة والعشوائية إلى حدّ أنه لا يفصل بين الحبيبة والصديقة ويخلط كثيراً في العلاقات ولا يضع حداً لأيّ منها.
لقد مثّلت صديقتي علاقتها بأنها تشبه المثالية لأنها لم تستطع تقبل فكرة أن تقع ضحيةً مرةً أُخرى وهي في عمر الثلاثين، إلا أنها انفجرت قائلة: "كنت أنا في دور الذكر، أنا الشجاعة، أنا من يحتمل المسؤولية، أنا من أجلب المال، أنا من أدفع عنه طعامه ومن أدفعه إلى العمل بشتى الطرق والوسائل لينخرط في المجتمع ويبدأ بمشروعٍ خاص به لنعمل معاً ونجني مالاً ونتزوج... لم أشعر أبداً بأنني أنثى طيلة علاقتي معه، وددت لو مرة واحدة عاملني كطفلته، أو قام بحمايتي أو اهتم بتفاصيلي الصغيرة أو أشعرني بأنه يحارب لأجلي ويفعل أشياء مجنونة ليحصل عليّ. فقدتُ نفسي معه تدريجياً، والآن بعد مماطلة 4 أعوام وهو يعيش الصراع بينه وبين نفسه، فهل يتزوج ويستقر معي أم يبقى حراً مع صديقاته النساء والمتزوجات؟ للأسف لقد غلبه الجشع وتخلى عني حين فنيتُ نفسي لأفتح له مشروعه المهني وأساعده في الانطلاق، حين بدأ بالوقوف على قدميه مادياً واجتماعياً تخلى عني واختار حياته الحالية وانسحب من فكرة الزواج".
وخلال فترة قصيرة حدثتني صديقة على فيسبوك تدعى ريم، أرسلت لي عشرات الڤويسات ليلاً وأخبرتني بأنّها تعرفني جيداً وتتابعني منذ كنت مشاركة في برنامج "نجوم بلا حدود"، أخبرتني أنّ روحها دفعتها للحديث معي لأنّها على مفترق طرق وتودّ بشدة أن تسمع ما لديّ، لأنّ حدسها يخبرها بأنّني أشبهها جداً بشخصيتي ويمكنني فهم معاناتها وتقديم النصيحة لها بشكلٍ مجرّد.
بدأت بسماع التسجيلات الصوتية لتقول: "جنان أنا فتاة عمري 29، وليس غروراً ما سأقوله لكنني أهتم بنفسي جداً، أهتم بجسدي ولياقتي ونعومة بشرتي، أكتب بشكل إبداعي، كتبت مسرحيات وحلقات من مسلسلات كوميدية، لقد شاركت في فعاليات عدة، وتخرجت من قسم الإعلام، إنني ألعب الرياضة وأتقن هواية الرسم ووقتي ممتلئ تماماً، وعلى الرغم من أنني أفعل كل ما يمكن لأي فتاة عشرينية أن تقوم به لترفع قيمتها الذاتية وتقديرها لنفسها، إلا أنّني وقعت في غرام إعلامي وكاتب مثقف جداً وكنّا معاً على مدار 5 أعوام. كانت قصة خيالية، إنه تماماً كما أرغب، رجل حنون، محترم، يقدر الأنثى، يفهمها، يجيد التعامل معي برفق، يحتويني، كريم معي، لقد عشت معه أجمل مغامرة يمكن لي أن أخوضها، ولكن بعد كل هذه الأعوام أتوقع أنه حان الوقت لأفاتحه بأمر الزواج، إلا أنّ ردة فعله صدمتني جداً، لقد تنصل من كامل المسؤولية وتخلى عني بكلّ بساطة لأنه لا يستطيع أن يتزوج، بل بالأحرى لا يريد أن يتزوج من الأساس، ويتذرع بحجج غير منطقية. لقد انتهت علاقة 5 أعوام بكبسة زر، ولأطفئ النار بداخلي فعلت شيئاً جنونياً. لقد تسرعت في قراري وتمت خطوبتي لشاب ثلاثينيّ يعيش في الخليج، بعد ضغط معين تعرضت له ممن حولي، ولكن كان لي ثلثا الخاطر، لأنّ رغبتي تتجه نحو معاقبته، لكنني كنت أعاقب نفسي. أنا الآن مخطوبة منذ عام ونصف، ولا أطيق سماع صوت خطيبي، ولا أستطيع مكالمته، ولا أحتمل نقاشه ولا أتقبل شخصيته ولا أشعر بذرة شعور تجاهه وزواجي وسفري اقتربا ولا أدري لم أنا الآن أتحدث معك، إنني أتخبط وأفكر في ترك خطيبي، ولا سيما أنّ ذلك الكاتب الذي أعشقه حتى الآن عاود مراسلتي وطلب مني انتظاره وأنا تشتتت كثيراً، لأنني لم أنسه مطلقاً، ولم يغب عني يوماً واحداً. أرغب في الانفصال حالاً وأن أعاود انتظاره إلى حين يستطيع الزواج".
يقرّر الذكور الانسحاب من الزواج في أوج مراحل العلاقة! فهل الزواج قفص أسود بالنسبة للرجال حتى يهربوا في اللحظة الأخيرة؟
أما عن هيا بشكل مختصر فهي مرتبطة منذ ثلاثة أعوام بشاب يكبرها 8 أعوام يعيش في ألمانيا، لم يلتقيا في الواقع أبداً، بل كان حباً إلكترونياً ومشاعر إلكترونية، ورغم الشاشة حاول كلاهما التفنن بطريقة المحادثة وكسر الروتين عبر مشاركة تفاصيل حياتهما اليومية دائماً، ومشاركة التحديات والطهي معاً، وحضور الأفلام معاً والنوم على خطٍ مفتوح.
منذ شهرين تماماً كانا قد اتفقا على الزواج، وتناقشا مراراً بأمر نزوله إلى سورية لإقامة حفل الزفاف وأرسل لها ثمن الفستان وثمن تكاليف تحضيرات العرس. وبعد ذهابها يومياً إلى مصمّم الأزياء وعيشها في عالم الأحلام أصبح فستانها جاهزاً، إلا أنّ العريس طار! لقد غيّر رأيه وخاف كثيراً من فكرة الزواج، وتوّصل إلى أنه لا يريد هذه المسؤولية، وأنّ مجيئه إلى سورية ليس قراراً صائباً.
نعم بكلّ هذه البساطة، يقرّر الذكور الانسحاب من الزواج في أوج مراحل العلاقة! فهل الزواج قفص أسود بالنسبة للرجال حتى يهربوا في اللحظة الأخيرة؟
الرابط المشترك بين هؤلاء الأشخاص أنهم ربما غير أسوياء نفسياً ولدى كل منهم روابط مشتركة، فهم لا يطيقون المسؤولية، ولديهم طاقة أنثوية مرتفعة، اتكاليون، وجبناء جداً، ولديهم نرجسية خفية، لأنهم يرتدون ثوباً غير ثوبهم ويدّعون التحرر ويدّعون قدرتهم على المسؤولية، إلا أنهم حين يجدون أن الأمر بات جدياً ولا مفرّ منه يقررون الانسحاب والتخلّي.
ربما لم يكن ضمنياً على قناعة تامة بشريكته، لذلك ينتابه صراع داخليّ حول فكرة البقاء أو المغادرة. أعتقد أنّ الرجل حين يقتنع بامرأة، وتؤثر بجميع حواسه وتدخل عقله وقلبه فلن يفكر ولن يناقش أحداً بخصوصياته ولن يتذرع ولن يكون جباناً بل سيدافع عنها حتى الرمق الأخير وسينفذ وعده، ولو بأقل التكاليف، لتثبت رجولتك فأنت لست بحاجة إلى المال! لأن الرجولة ليست مالاً، بل مواقف وكلام وتنفيذ للوعود.
ولكن الشباب يبقون على إصرارهم في تحميل الذنب وكامل المسؤولية للفتاة، ويتنصلون من كلّ شيء ويتذرعون بحجج فارغة لتبرير فعلتهم. الفكرة هنا ليست زواجاً فحسب، الفكرة أن الشخص لم يكن صادقاً وقام بإلقاء وعوده دون أدنى وعي منه بقدرته على تنفيذها.
لا أحد يرغم أحداً على الزواج، ولكن لنسمي الأمور بمسمياتها الصحيحة.
- أنت تحبها، لكنك لم تقتنع بها.
- أنت تحبها ومقتنع بها، لكنك جبان جداً وتريد اختيار عائلتك وإرضاء محيطك بدلاً من اختيارها.
- أنت تحبها، ولكنك تراها سبب كل شيء وتحملها مسؤولية تخليك عنها.
- أنت تحبها، ولكنك تختار نفسك وتخلق حججاً لتقنع أناك بأن خيارك هو الصحيح.
- أنت تحبها ومقتنع بها لكن رجولتك لم تكفِ للمحاربة لأجلها.
هكذا فقط، دعونا نطلق المسميات الصحيحة على هذه الحالات، ولتكن المشاعر واضحة وأسباب التخلي واضحة أيضاً.