استأجرت يد شقيقتي لأكتب هذا النص

21 ديسمبر 2023
+ الخط -

استأجرت يد شقيقتي لأكتب هذا النص، لأن يدي اليمنى في إجازة حالياً وإن أردتُ العودة قليلاً إلى ما قبل الحادث بـ24 ساعة حين سألتني صديقتي في قهوة القشلة ونحن نشرب "إسبريسو لونغو":

- هل يمكنك تسخير أي حدث مؤلم لصالحك؟ هل يمكنك الخروج من الصدمة على الفور؟ أم أنك ترددين كلام الوعي فقط حينما تكونين سعيدة؟

أجبتها بأن الموضوع لا يأخذ مني وقتاً طويلاً، فمهما بلغت صعوبته إلا أن الموقف سيتطلب مني القبول والتسليم في نهاية الأمر! وسأفعل ذلك وأرى الحدث من زوايا مختلفة.

ومساءً من تراس la joya في الطابق 14 مقابل "فندق الشام" سألتني صديقتي الأخرى عن نسبة الرضا عن حياتي ونفسي وعن أمنيتي في هذه اللحظة حالياً.

للأمانة كنت سأغادر اللحظة عندما سألتني، ولكنني احتفظت بمشاعري تجاه اللحظة وتنفست الهواء الرائع وقلت لها: "إن أخبرتك بأنني أتمنى شيئا في هذه اللحظة فهذا يعني أنني غير متواجدة الآن وأنني أتحسر وأرغب بشيء آخر فوق هذا الجمال اللحظيّ، لذلك لا!".

ممتنة جداً للآن وسعيدة جداً ومقتنعة في كل ما قدّره لي الله، ممتنة لنفسي، وزوجي وجسدي وعائلتي، ممتنة لكوب الأناناس الذي أشربه الآن ممتنة لآولئك الذين دهسوا على حذائي الأبيض في باب توما ولبركة المياه المتسخة التي غرقت بها قدمي اليمنى، ممتنة لي ولكم ولجلستنا هذه، وبصحّتكم!

لم أكن أعلم أن الله سيختبرني ويختبر قوتي في اليوم التالي!

لأنني أُصبت بحادث سيارة مؤلم، وعلمت في لحظتها بأنّ يدي كُسرت أو تمزقت أو أن هناك عظاما تحركت من مكانها، لأنها خلال ثانية فقدت قوامها وفقدتُ قدرتي على حملها.

لقد خفت في الساعات الأولى ولكنني حمدت الله كثيراً في الوقت ذاته!

أخبروني بأنني أحتاج إلى صفائح وأسياخ وخلال ساعتين سأدخل إلى العملية.

عملية؟ عمري27 ولم أخضع في حياتي لأيّ عملية جراحية!

لقد حاول دماغي أن يرشح لي سيناريوهات سلبية ولكنني تجاوزت الأمر ورفعت معنوياتي وحمدت الله على قدر أصعب أبعده الله عني.

تعرضت للتخدير للمرة الأولى، لا أذكر شيئاً سوى أنني بعد عدة ساعات كنت أبحث عن صوت زوجي وأنني أطلب منهم بعد صحوتي من التخدير أن يضعوا لي موسيقى التانغو.

تعرضت للتخدير للمرة الأولى، لا أذكر شيئاً سوى أنني بعد عدة ساعات كنت أبحث عن صوت زوجي وأنني أطلب منهم بعد صحوتي من التخدير بأن يضعوا لي موسيقى التانغو

هناك كائن غريب في يدي اليمنى، وكأن هناك قنبلة تشتعل في يدي، فجأة أصبحت لا أستطيع أن أرتدي ملابسي وحدي، لا أستطيع الاستحمام، أحتاج من يطعمني ويغسل لي يدي ويساعدني في ارتداء حذائي وملابسي وترتيب شعري والاعتناء ببشرتي.

فجأة أصبحت مرغمة على أخذ بريك طويل من عملي، عملي الذي أخذ مني جهداً خرافياً خلال الأشهر الماضية، حتى أنني لم أعد أجد وقتاً لشيء.

لقد قبلت بذلك وحوّلت هذا الحدث إلى شيء إيجابي، إنني أعيش تجربة جديدة ومختلفة،

أهتم ببشرتي بيدي اليسرى أضع السيرومات والمرطبات، أحاول تناول الطعام وحدي ويضعون لي مريول الأطفال لأنني سألوث ثيابي!

أهتم بتغذيتي جداً، أشاهد عددا كبيرا من الأفلام، أحاول أن أطور من ذاتي، أتواصل مع أصدقائي ڤويسات، وأكتب هذا النص من خلال يد شقيقتي الصغرى!

أتصفح مواقع التسوق، أضع في عربة التسوق عشرات القطع ولا أشتري شيئاً منها! أمرّن أصابعي على الحركة وأرسل طاقة حب وتعاطف لعظام يدي المكسورة وأخبرها بأنني أحبها جداً سواء تحركت أم لم تتحرك.

أكثر ما أفتقده أثناء هذه المرحلة هو رقصي للتانغو، ورغم ذلك بعد 55 يوما جربت الرقص بيد واحدة وتمكّنتُ من فعل ذلك، مارستُ حياتي بشكلٍ طبيعيّ، وعدتُ إلى عملي في الكتابة ولكن بيدي اليسرى.

أعتدت على مظهر الأسياخ وهي تمزق جلدي نحو الخارج بـ1سم، لم أغرق في حالة أنني مريضة، وأن يدي خارج الخدمة حالياً، بل قررت أن أعيش التجربة بكل ما فيها.

افتقدتُ النوم كثيراً، وكان من الصعب أن أغفو لمدة ثلاث ساعات متواصلة، لا أدري كيف أنام وأين أذهب بيدي حتى أنني جمعتُ وسادات المنزل بأكملها لأوزعها حولي وخلف رأسي وتحت ذراعي لأشعر بالراحة ولكن لم أكن لأشعر بذلك مطلقاً.

أحتاجُ دوماً مساعدةً في أي شيء أقوم به.

تحولت تماماً إلى طفلة صغيرة تحتاج كثيراً من الاهتمام والرعاية، كنت أردد يومياً بأن هذا الوضع مؤقت وهذا الألم سيمضي وستكون تجربة مريرة في ذاكرتي وتحدي قوي لي، وأخيراً لقد مضى ستون يوماً على الحادث، ستون يوم وأنا متعايشة مع أسياخ حديدية

لقد مضى الكثير واقترب موعد عملية انتشالهم من ذراعي، كنتُ صباحاً في المشفى وليلاً احتفلتُ بعيد ميلادي وسط أصدقائي وعائلتي، دعوتُ الله بعد عودتي من المشفى أن يمنحني طاقةً خرافية لأقضي ليلة عيد ميلادي بسعادة:

وخلدت إلى النوم لمدة ساعة فقط لأستريح قليلاً من ألم يدي وصداع رأسي ووجع معدتي، وحين صحوت بالفعل استجاب لي الله ولم أكن أشعر بألم، بل غمرتني طاقة شفائية ونورانية غريبة! استطعت الاحتفال بكلّ طاقتي، رقصتُ وكأنني في أحسن أحوالي.

والآن أعود لأمتنً مئة مرة لأنني اجتزت هذا الاختبار بنجاح وسأبدأ العلاج الفيزيائي لأعود كما كنت سابقاً.

تفاصيل صغيرة حين نفقدها نشعر بسطحية كل شيء، ونمتنّ على أي شيء بحوزتنا ويمكننا فعله دون أيّ عذاب أو ألم، ولكن الأهم من ذلك هو فهم الأسباب واستقبال التجارب المؤلمة كما لو كانت مجرد ضيوفاً مؤقتة.

دلالات
جنان وكيل
جنان وكيل
كاتبة سورية، خريجة كلية الحقوق والقانون. صدر لها "في حضرة النجوم (2016).