نحو عودة الكرامة وبناء سورية المستقبل

15 ديسمبر 2024
+ الخط -

أتذكّر قبل سنوات طويلة مشاهد ما زالت تُطاردني حتى اليوم، تُشبه كوابيس لا تُنسى تُشعرني بالألم والحزن العميق. كنت أرى أطفالاً في غاية البراءة والجمال، بأعين تُشبه بريقًا شاميًا حرًا، لكنهم كانوا يُعانون من واقع مرّ يُحطم طفولتهم. كنت أرى نساءً يرتدين ملابس محترمة عفيفات مع قسوة الظروف وفقدان فرص العمل، وجدوا أنفسهن في التسوّل. لم يكن ذلك ناتجًا عن رغبة أو اختيار، بل كان الحل الوحيد أمام انعدام فرص العمل التي تُوفر لهن ولأسرهن حياةً كريمة. كانت أعينهن تحمل الكثير من المعاناة والحزن، تُحلّق في صمت مُعبّرة عن أمل مفقود وأحلام محطمة. كان مشهدهن في الطرقات يُشبه صرخة صامتة تُحلّق في الهواء، تُعبّر عن واقع فرضه الفقر والحروب وعدم العدالة الاجتماعية. أما الرجال الذين كنت أراهم، أظهرت أعينهم التعب والهمّ الذي خلّفته المعاناة. لم تكن تلك مجرد تعابير عن إرهاق عادي، بل كانت تجسيدًا لتحدياتهم اليومية من أجل البقاء.

هيهات أن تُجبر على مغادرة وطنك فجأة بين ليلة وأخرى، بلا أمل، في هروب مُرعب. تُشاهد نفسك وأفراد أسرتك تُواجهون أهوال البحر الأبيض المتوسط، حيث تُباع الأرواح ويُجبرونك على تقديم أي ثمن للنجاة. أو قد تجد نفسك في حدود دولة مجاورة، مُحاصرًا في خيام اللجوء التي تُعاني من قسوة الطقس، سواء كانت حرارة الصيف الملتهبة أو برد وثلوج الشتاء القارس.

بعد صلاة الجمعة في المسجد، كنت أرى مشاهد مؤلمة: مواطنين سوريين يُظهرون مواقف تُحطّم القلب. كانوا يقفون يتسوّلون في مشاهد تُعبّر عن يأس عميق. شباب ومراهقون يفتشون عن أمل مفقود وفرصة عمل تُبعدهم عن شبح الجوع، لكنهم من دون جدوى، يُحاربون البطالة والفقر في ظروف قاسية.

ديكتاتور مجرم حرب

ما الذي دفع هؤلاء الناس للرحيل قسرًا من أوطانهم وبمخاطر متعددة؟ الجواب واضح ومُحزن؟ السبب هو بشار الأسد ونظامه الديكتاتوري الذي تسبّب في تهجير ملايين المدنيين ودفعهم نحو الموت والمعاناة. بشار الأسد ومن معه من أفراد الجيش وأعوانه الذين ساهموا في إشعال هذه الحرب المُدمّرة، يستحقون العقاب. أهوال الحرب التي فرضوها كانت السبب في تدمير حياة آلاف الأسر وترويع الأبرياء، في مشاهد مأساوية لن تُنسى أبدًا.

إنّ إرادة الحياة لا تُهزم، فهي دائمًا تلبي النداء مهما كانت التحديات، ومهما كانت القوى التي حاولت أن تُبقيك في كرسي الدم. كنت تُدفع بمال السوريين إلى روسيا وإيران وحزب الله، الذين هم بدورهم قتلة ساهموا في جرائم الحرب التي دمّرت أحلام الأبرياء، لكن من دون جدوى.

كم أستذكر هنا الشاعر التونسي العظيم أبا القاسم الشابي الذي خلّدت قصيدته الشهيرة وأبياتها المعبّرة، التي تُجسّد معنى الصمود أمام الظلم والاستعباد في التاريخ الإنساني.

"إذا الشعبُ يومًا أراد الحياةَ فلا بدّ أن يستجيب القدر ولا بدّ لليل أن ينجلي ولا بدّ للقيد أن ينكسر".

تلك الأبيات تُجسّد واقعًا مُحزنًا يُظهر معاناة الشعوب في سبيل الحرية، وأحداث التاريخ تُثبت أن الظلم لا يُقهر إلا بتصميم الشعوب وإرادتها.

إنّ القيد الذي سيبقى وصمة عار على رقبة بشار الأسد إلى يوم القيامة هو سجن صيدنايا، ذلك السجن المُظلم الذي يجمع الأطفال والنساء معًا في ظروف تُحطّم الإنسانية. يا لها من وصمة عار! كيف يمكن لعصرنا الحديث أن يشهد سجونًا تُحتجز فيها براءة الأطفال؟! إنّ سجن صيدنايا لم يُفتح بكامله حتى يومنا هذا، 9 ديسمبر 2024، وما زالت المآسي تُوصف بالهول، تُمثّل صرخة في وجه التاريخ الذي يتساءل: هل نحن ما زلنا في عصر الظلام؟

أين هو مجلس الأمن؟ أين حقوق الإنسان؟ أين المواقف العملية الحقيقية التي تُسهم في إنقاذ الشعب السوري من معاناته؟

يا عالم، الشعب السوري يستحق أن يُعامل كبقية البشر، لهم الحق في الحياة والأمان والدعم، كما هو الحال مع أي إنسان في أي مكان في العالم. نحتاج إلى مواقف حقيقية، لا مجرد بيانات تُقال لا تُغني من جوع، ولا تُسمن المظلومين شيئًا. نحتاج إلى دعم مباشر وإجراءات عملية تُظهر التضامن الحقيقي مع معاناة هذا الشعب الذي يواجه ظلمًا لا يُوصف.

عهد جديد وسورية دائمًا حرة

اليوم نحن على أعتاب صفحة جديدة بعد زوال الديكتاتورية في سورية. نحتاج إلى نفَس جديد وروح متجددة، بعيدًا عن الطائفية، يجب أن يكون الهدف الأساسي هو بناء سورية موحدة بشعبها ورجالها، مع طيّ صفحة الماضي وفتح آفاق المستقبل.

يجب أن يعود الجميع إلى الوطن، لأنه ليس هناك ما يُضاهي جمال الوطن وهواءه، فهو دائمًا أمل يُشرق في كل الأوقات، وأجمل ما يُمكن للإنسان أن يعتنقه في رحلته الحياتية. رغم كل الصعوبات والتحديات التي قد يواجهها، يبقى الوطن الملاذ الآمن، مصدر الحنان والأمان، وجوهر الانتماء الذي يُعبّر عن أعمق معاني الهوية والوفاء.

من خلال تصريحات أحمد حسين الشرع/ الجولاني، قائد العمليات العسكرية، أكّد التزامه بتوحيد الوطن تحت مظلة القانون، مشيرًا إلى أن ما مضى هو جزء من الماضي، والأهم الآن هو التركيز على الحاضر وصناعة المستقبل بتكاتف الجهود.